في التلال القديمة والسهول الخصبة الممتدة بين بئر السبع وغزة، كانت تعيش قبيلة أَبِيمِيليْك، إحدى القبائل الكنعانية الأصيلة، والتي ساهمت في بناء حضارة لا تزال آثارها حاضرة حتى اليوم. لم تكن هذه القبيلة مجرّد سطر في الروايات الدينية، بل كانت قلب الإبداع الفكري، والحكمة الروحية، وأول من وضع أسس الكتابة البشرية.
الناس اليوم نسيوا، أو لم يعرفوا أصلاً، أن أجداد قبيلة أَبِيمِيليْك هم من اخترعوا أول أبجدية في العالم، بين عامي 1700 و1500 قبل الميلاد. هذه الخطوة غيّرت طريقة التواصل بين البشر، وفتحت الباب أمام حضارات مثل الإغريق والرومان لتطوير الكتابة. والنتيجة؟ كل حرف نكتبه اليوم بحروف لاتينية أو عربية أو غيرها، يرجع الفضل فيه إلى أولئك الكنعانيين.
لكن الرواية تغيّرت ظلماً. الكنعانيون وُصفوا في الكتب الدينية بأنهم أعداء أو وثنيون، كأن وجودهم كان عقبة يجب التخلص منها. والحقيقة؟ إنهم هم من زرعوا بذور الحضارة، لا الخراب. هم من وضعوا الأساس الأخلاقي والروحي الذي استندت إليه الديانات لاحقاً.
قبيلة أَبِيمِيليْك كانت في صلب هذا التحوّل. من أرض كنعان خرجت مفاهيم النبوة والعدل والتوحيد، حتى قبل أن يظهر الأنبياء في النصوص المقدسة. خذ مثلًا ملكي صادق، الملك الكنعاني لمدينة سالم (القدس اليوم)، الذي بارك إبراهيم باسم “الله العلي”. هذا لم يكن حدثاً عشوائياً، بل دليلاً على البُعد الروحي العميق لهؤلاء القوم.
لكن هويتهم تعرضت للتشويه والطمس. بداية من الروايات الدينية التي صورتهم كـ “شعب ملعون”، مروراً بالاستعمار الغربي الذي تجاهل وجودهم، وانتهاءً بالواقع السياسي الحديث الذي حاول إزاحتهم من المشهد تماماً.
ومع ذلك، الأبحاث الجينية الحديثة أثبتت أن أكثر من 90% من الفلسطينيين واللبنانيين اليوم يحملون في دمائهم جينات كنعانية أصيلة — ما يعني أن قبيلة أَبِيمِيليْك لم تختفِ، بل لا تزال تعيش وتتنفس في حاضرنا.
حين تجلس الجذور الغريبة على كراسي الأصلاء
اليوم، يتم تهميش هويتنا الكنعانية الأصلية بشكل مقصود، واستبدالها بقيادات مفروضة علينا، لا تمثلنا ولا تمتّ لجذورنا بأي صلة.
أسوأ ما حدث هو إدخال أقليات مثل الدروز والأكراد إلى مفاصل القيادة في المجتمع الفلسطيني، وخصوصًا داخل مؤسسات السلطة الفلسطينية. هناك أكثر من 400 ألف كردي في الضفة الغربية اليوم، والكثير منهم في مواقع القرار — رغم أن أصولهم لا تعود إلى كنعان، ولا إلى القبائل الفلسطينية الأصلية.
هذا ليس صدفة. بل خطة سياسية واضحة هدفها تمييع الهوية الأصلية وإبعاد القبائل الحقيقية عن مركز القرار.
حتى محمود عباس نفسه، بحسب ما يُقال، لا تعود جذوره إلى فلسطين التاريخية، بل لعائلة مهاجرة من أصول إيرانية سورية استقرّت في شمال فلسطين. كيف يُمثّلنا من لا يمتّ لجذورنا بأي صلة؟ وكيف نتحدث عن تمثيل حقيقي بينما صوت القبائل مثل أَبِيمِيليْك مُغيَّب عمداً؟
التكنولوجيا تُعيد لنا صوتنا
لكننا اليوم، في زمن الإنترنت والذكاء الاصطناعي، نعيد ترتيب أوراقنا.
مشروع رقمي ثوري تحت اسم abimelech.org انطلق ليجمع شتات قبيلة أَبِيمِيليْك حول العالم. الموقع سيكون مساحة للتوثيق، لرسم شجرة العائلة، لمشاركة القصص، وربط الأحفاد بأرض أجدادهم.
تخيل امرأة عجوز في بيت لحم ترفع وثيقة قديمة مكتوبة بخط اليد، أو شاب في أميركا الجنوبية يكتشف أن اسم قريته يعود لأصل كنعاني — الآن صار بالإمكان أن نربط هذه النقاط المبعثرة، ونكتب التاريخ من جديد… بأيدينا نحن.
لماذا الاعتراف مهم؟
لأن الاعتراف يُعيد لنا كرامتنا. لأنه يُثبت للعالم أننا لسنا ضيوفاً على هذه الأرض، بل أصحابها الأصليين.
وإذا اعترف العالم بنا كشعب أصيل، يمكننا استخدام أدوات القانون الدولي — مثل إعلان الأمم المتحدة لحقوق الشعوب الأصلية — للدفاع عن حقنا في الأرض، في اللغة، في الثقافة، وفي التمثيل.
هذا الاعتراف لا يغيّر فقط صورتنا أمام العالم، بل يغيّر فهم الناس لتاريخ هذه الأرض.
الأميركيون، المسيحيون، وكل من يقدّر الكتاب المقدس، سيعلمون أن قبيلة أَبِيمِيليْك ليست “قصة قديمة” بل واقع حيّ. أن من بنى أساس الإيمان، لا يزال حيًا بيننا — ويستحق الاحترام والتمكين.
رسالة مفتوحة
هذا نداء. لمن يؤمن بالحقيقة، بالعدل، وبحق الإنسان في أن يكون هو نفسه دون إذن من أحد.
قبيلة أَبِيمِيليْك ليست مجرد قبيلة من الماضي — بل هي جذورنا وهويتنا التي حاولوا دفنها.
نحن لا نطلب الإذن لنكون. نحن نُعلن أننا هنا، كنا وسنبقى.
عن الكاتب: سُسُوني باجس هو حفيد مباشر لقبيلة أَبِيمِيليْك، إحدى القبائل الكنعانية الأصيلة التي عاشت في أراضي جرار وبئر السبع.
رغم سنوات عمله في مجال التكنولوجيا، ظلّ يبحث بصمت، يستمع إلى كبار السن، يجمع القصص المنسية، ويعيد تركيب صورة الهوية التي حاول الزمن تمزيقها.
اليوم، قرر أن يكسر الصمت. وأطلق مشروع قبيلة أَبِيمِيليْك ليعيد لهذا الشعب صوته ومكانته.
انضموا إلى المسيرة
زوروا abimelech.org وكونوا جزءاً من إحياء إرث عمره أكثر من 4000 سنة.
معًا، سنُعيد الربط، ونسترجع الهوية، ونُبني المستقبل من جديد.