يتجمع إسبان يحملون علم فلسطين ولافتات ضد جرائم الحرب، لتنظيم مظاهرة لإظهار الدعم لشعبنا وإدانة الهجمات الإسرائيلية في غزة في 29 أكتوبر 2023، في مدريد، إسبانيا - صورة: آنا بلتران - وكالة الأناضول (AA)
مذكرة إلى أبناء وأصدقاء وأنصار عشيرة حسّنات أبو مُعَيلق
الموضوع: قضية إنسانية وسياسية لحكم ذاتي لعشيرة حسّنات أبو مُعَيلق
صدرت هذه المذكرة للجمهور في 30 أكتوبر/تشرين الأول 2025، عبرمنصة قبيلة أَبِيمِيليْك
أبناء، بنات، أصدقاء وأنصار القبيلة الأعزاء -
إنَّ بقاء قبيلتنا عبر آلاف السنين من الغزو والاستعمار، وصولًا إلى الكارثة الراهنة، يوضح أمرًا واحدًا: يجب أن نُمارس حقَّنا في الحكم الذاتي لتقرير مصيرنا بأيدينا. لا المحتلّ الإسرائيلي، ولا سلطةٌ فلسطينيةٌ مُختَرَقة، ولا أيُّ قوةٍ أجنبية يُؤتمنون على أمن شعبنا ومستقبله. نحن ورثةُ أقدمِ شعوب الأرض المقدسة وشهودُ كلِّ كارثةٍ ضربت هذه الأرض الأجدادية؛ وعليه فلا بد أن نأخذ مصيرنا بأيدينا. تُبيّن هذه الفقرة الأساسَ الإنساني والسياسي لإقامة حُكمٍ ذاتيّ لقبيلتنا، مرتكزًا إلى حقوقنا التاريخية كشعبٍ أصيل في جنوب فلسطين، ومسنودًا بمبادئ دولية لحقِّ الشعوب في الحكم الذاتي.
الحقوق التاريخية للقبيلة ووضعها كمجتمع من السكان الأصليين
مطالبتنا بالحكم الذاتي ليست اختراعًا حديثًا؛ إنما تقوم على أربعة آلاف عام من ممارسة شؤوننا بأنفسنا فوق تُراب أرضنا الأجدادية، وعلى حضورٍ متصلٍ لشعبنا في ممرّ بئر السبع–غزة منذ الأزل، حقًّا منذ الأزل!
قبل الدول الحديثة والانتدابات، ازدهر أسلافُنا الكنعانيون في تلال وسهول ما يُعرف اليوم بفلسطين. نحمل تلك السلالة في الدم. وتؤكد الأبحاث المعاصرة ما حفظته رواياتنا الشفوية: إنَّ الفلسطينيين اليوم (ومنهم قبيلتنا) ينحدرون بدرجةٍ كبيرة من الكنعانيين الذين عمروا هذه الأرض قبل أكثر من أربعة آلاف سنة. وقد بيّنت تحاليل حمضٍ نووي نُشرت عام 2020 أنَّ سكّانَ الأرض المقدسة المعاصرين يتشاركون نحو ثمانين بالمئة من أنسابهم مع الكنعانيين، في سلسلة نسبٍ غير منقطعة. نحن، إذن، أهلُ البلاد الأوّلون، إلى جانب جماعاتٍ وفدت لاحقًا. وتُسجِّل وثائق قبيلتنا نسبًا يعود إلى أبيمالك بن كنعان من جِرار، أحد الآباء الباكرين، ممّا يرسّخ انتماءنا بين القبائل الأصيلة. وعلى تعاقب العصور، الرومانية والمسيحية والإسلامية، ثبَت أسلافنا، يُكيّفون أنفسهم أحيانًا لكن من دون أن يتخلّوا عن الحضور والحُكم الذاتي. هذه الأصالة العميقة تمنحنا حقوقًا لا تُطفأ: حقَّ البقاء على أرضنا، والعيش وفق أعرافنا، وأن نحكم أنفسنا.
ويزداد اعتراف القانون الدولي بهذه الحقوق. يؤكد «إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية (UNDRIP)» أنَّ للشعوب الأصلية حقَّ تقرير المصير، وبمقتضاه «تُحدِّد بحرية وضعها السياسي وتسعى بحرية إلى تنميتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية». وبصورةٍ أدق، تقرّر المادة (4) من الإعلان أنَّ الشعوب الأصلية، عند ممارستها تقرير المصير، «لها الحق في الحكم الذاتي أو الإدارة الذاتية في الأمور المتعلّقة بشؤونها الداخلية والمحلية». وهذا تحديدًا ما نطلبه، حكمٌ ذاتيٌّ في موطننا التاريخي لصون مجتمعنا وثقافتنا. تستوفي قبيلتنا معاييرَ الشعب الأصيل: فنحن سلالة مَن سبقوا نشوء الدول الراهنة؛ ونملك تقاليد ثقافية مميّزة؛ وتعرّضنا للتهجير والاضطهاد بفعل عملياتٍ استعمارية (الاحتلال البريطاني ثم الصهيوني). سنُثبت هذا الوضع في المحافل الدولية. إنَّ مطالبتنا بالحكم الذاتي ممارسةٌ لحقٍّ أصيلٍ أقرّته جماعة الأمم، وهي واجبٌ أخلاقيٌّ أمام فشل الجوار والقوى الأخرى في صون وجودنا الأكثر بداهة.
الضرورة الإنسانية لعدم تكرار ذلك أبدًا
تُبرهن الإبادة في غزة والإثنوصيد الأوسع لشعبنا أنَّ الاتكال على حكّامٍ خارجيين أو حكوماتٍ بعيدة لحمايتنا خطأٌ قاتل. لقد بات الواجب الإنساني يُلزمنا بالسعي إلى الحكم الذاتي. ففي غزة وحدها قُتل أكثر من 70,000 من إخوتنا في بضعة أشهر، وما يزال 10,000 مفقودين تحت أنقاض المباني؛ وفي الضفة الغربية نُكابد القتل اليومي وهدم البيوت وسرقة الأرض. أما المجتمع الدولي فاكتفى بالكلمات. والسلطة الفلسطينية، التي كان يُفترض أن تكون نواةَ حكم، تحوّلت إلى مقاولٍ من الباطن للاحتلال. والدول العربية غيرُ موثوقة، والقوى العالمية، وفي طليعتها الولايات المتحدة، تُسهِم فعليًا في تمكين جلادنا. لذلك، ولمنع إبادةٍ أخرى، علينا أن نقيم نمطًا من الحكم الذاتي يُقدّم بقاء مجتمعنا على كل اعتبار ويكون مسؤولًا أمامنا نحن وحدنا. قد يتخذ ذلك شكلَ إدارةٍ إقليميةٍ ذاتيةٍ في المناطق التي يتركّز فيها وجود قبيلتنا، أو حكومةٍ قبليةٍ في المنفى تمهيدًا لعودتها إلى الإقليم، تفاصيل تُصاغ في جلساتنا الاستراتيجية. العبرة أن يمنحنا هذا الحكمُ أولويةً مطلقة للاحتياجات الإنسانية وحقوق الإنسان وصون الثقافة، بعيدًا عن ألعاب الشطرنج السياسية الأوروبية والأميركية التي تعاملت مع حياتنا كأحجار.
ماذا يوفِّر الحكمُ الذاتي إنسانيًا؟
أولًا، تحكُّمٌ محلّي بالأمن: بدل الاتكال على قواتٍ احتلالية (تحتلّنا أو تذبحنا) أو ميليشياتٍ سلطوية (تقمع وتروّع عائلاتنا)، ننظّم وحداتِ حمايةٍ مدنيةٍ ودفاعٍ مجتمعي بأيدينا. هذا ليس عسكرة؛ هذا أمنُ مجتمع. وحارسُنا لن يوجِّه سلاحه إلى فتاةٍ في الثانية عشرة تهتف للحرية، كما فعل محمود عباس وأسرته.
ثانيًا، التحكّم بالمساعدات والموارد الإنسانية: رأينا في غزة كيف تحوّلت الإغاثة إلى أداة حصار، تقطعها إسرائيل مدعومةً بأوروبا والولايات المتحدة، بينما تتلاعب بها وكالاتٌ أجنبية ومرتزقةٌ يقنصون أطفالنا، ومصر تُضيِّق عنق الزجاجة في رفح. في إطار الحكم الذاتي نستطيع استقبال المساعدات مباشرةً وتوزيعها مع شركائنا الدوليين بحيث تصل فعلًا إلى أهلنا ولا تُستَخدم كورقة ضغط لدى دولٍ تعتبرنا خصمًا. سنبني البنى التحتية (المياه، الكهرباء، المستشفيات) وفق حاجات سكّاننا، بدل انتظار محتلٍّ يقصف ما نبنيه.
ثالثًا، عودة اللاجئين وإعادة التأهيل: الكيانُ الذاتي يفتح أبوابه لأبناء قبيلتنا (ولكلِّ لاجئٍ فلسطيني) للعودة والإعمار من دون العوائق السياسية التي تفرضها إسرائيل أو دول اللجوء. نُخصِّص أراضيَ لإعادة التوطين، ونطلق مشاريعَ إسكان، ونُعيد سُبل العيش.
أخيرًا، حريةٌ ثقافية وتعليمية: يتيح الحُكم الذاتي إدارة مدارسنا بأنفسنا لتعليم تاريخنا الحقيقي، بما فيه الميراث الكنعاني الذي تسعى السرديات الاستعمارية لطمسه، وممارسة تقاليدنا، وترميم مواقعنا التاريخية. هذا الإحياء الثقافي شرطٌ للشفاء بعد صدمات الإبادة والتهجير. إنَّ هوية قبيلة حسّنات أبو مُعَيلق، التي تصل ما بين كنعان القديمة وفلسطين الحديثة، يمكن أن تزدهر في ظل الحكم الذاتي وتُلهم الكرامة والوحدة في صفوف شبابنا.
خلاصة القول: إنسانيًا، الحكمُ الذاتي هو الترياقُ لِعقودٍ من المعاناة والقسر المفروضين من الخارج. إنّه يُحوِّل شعار "لن يتكرر ذلك" إلى منظومةٍ عملية: نحن مَن يقرِّر كيف نحمي أطفالنا، وكيف نُؤوي المشرّدين، وكيف نخلّد شهداءنا. لن نتوسّل بعد اليوم إلى جنرالاتٍ أجانب ليسمحوا بدخول الوقود إلى المستشفيات؛ سنضمن سلاسلَ إمدادٍ سياديةً لمشافيَنا. ولن نقف عاجزين فيما المحتلّون الغزاة يداهمون بيوتنا ليلًا ويُرهبون النساء والأطفال؛ ستَحرس وحداتُ مجتمعنا الأكثرَ عُرضةً للخطر. ستقع مسؤولية رعاية شعبنا على عاتقنا نحن، وسنكون مُحاسَبين أمام ضميرنا وما نراه عدلًا وضرورة.
الحكم الذاتي بوصفه عدالةً واستقرارًا
إنَّ الحُكم الذاتي لقبيلة حسّنات أبو مُعَيلق يخدم أيضًا غايةً سياسيةً أوسع: فهو خطوة نحو عدالةٍ ترميمية في الأرض المقدسة وحلٌّ مُثبِّتٌ للاستقرار وسط واقعٍ فاشل. لقد قُتِل حلُّ الدولتين بوقائع الأمر الواقع؛ أمّا واقع الدولة الواحدة اليوم فهو فصلٌ عنصري وإبادةٌ زاحفة. يقترح طرحُنا عنصرًا جديدًا: شكلًا من تقرير المصير قادرًا على كسر الجمود. تاريخيًّا وجدَت شعوبٌ أصيلة ومضطهدة حلولًا في ترتيباتِ حكمٍ ذاتي حين كانت السيادةُ الكاملة محظورة. فعلى سبيل المثال، أسّس أهل تيمور الشرقية حكمًا ذاتيًّا انتقاليًّا في طريقهم إلى الاستقلال. وبالنسبة إلينا، يمكن أن يكون الحكمُ الذاتي مسارًا مرحليًّا أو موازيًا يُعيد حقوقَنا من غير مساسٍ بإمكان الدولة الكاملة في ما بعد (إذا ما اعترفت أخيرًا كتلةٌ أوسع أوروبية وأميركية بشعبنا وبدأت تحترمه).
والأهمُّ أنَّ الحكم الذاتي لقبيلتنا ليس مشروع انفصالٍ أو انعزال؛ بل هو تثبيتٌ لسيادةٍ محليّةٍ ضمن الفسيفساء الوطنية الفلسطينية. نظلُّ فلسطينيين، لكننا في الوقت نفسه نُعيد تثبيت هويتنا القبلية الخاصة وحقوقنا بوصفنا أحفادَ الكنعانيين. هذه الازدواجية قوّةٌ لا ضعف: فهي تستند إلى الدعم الدولي لحقوق الشعوب الأصيلة من دون التخلي عن النضال الفلسطيني. عمليًّا، يمكن لـ"إقليم حسّنات أبو مُعَيلق ذو الحكم الذاتي"، مثلًا في أجزاءٍ من النقب أو جبال الخليل حيث تنحدر جماعاتٌ كبيرة منّا، أو لمجتمعٍ ذاتيّ الحكم في المنفى يحوز الاعتراف، أن يُمارس صلاحياتِ حوكمةٍ وكالةً عن شعبنا. سننسّق مع أيّ قيادةٍ وطنيةٍ شرعية قد تتشكّل في فلسطين، لكننا لن ننتظر تحرّكها حيث فشلت. بل قد يُلهم حكمُنا الذاتي تجديدًا فلسطينيًّا أوسع، فيُقدِّم نموذجًا لحُكمٍ ذاتي ديمقراطي وشفاف ومتين يُناقض استبدادَ إسرائيل وميليشياتِ السلطة التابعة لها.
ومن منظور المراقبين الدوليين، قد يُعدّ دعمُ حكمِنا الذاتي طريقةً للتكفير عن فشل العالم في حمايتنا. إنّه ينسجم مع القيم الكونية: حمايةُ شعبٍ أصيلٍ من إبادةٍ ترعاها قوى أجنبية، وصَونُ التنوع الثقافي في أرضنا الأجدادية. سياسيًّا، يمكن أن يُخفِّف التوتر بمنح قبيلتنا إحساسًا بتحقُّق العدالة، فعندما يحكم الناسُ أنفسهم، تتراجع المظالم لأن الكرامة والاحترام يُستعادان. ينبع الاستقرار من شعور الناس بأن لهم حصةً في حُكمهم. بدل أن نكون لاجئين دائمين أو رعايا تحت الاحتلال، نصير أصحابَ مصلحةٍ في كيانٍ ذي حكمٍ ذاتي، وذلك يُشجّع الاستثمار في السلام. وفوق ذلك، لدى قبيلتنا قرونٌ من خبرةِ التعايش المتناغم (مع اليهود والمسيحيين والمسلمين) نستطيع الركونَ إليها لإدارة الشؤون المحليّة بعدلٍ وسلم.
وسنُسخِّر كذلك شتاتَنا الواسع ضمن هذا الإطار الذاتي. فأبناء القبيلة في المخيّمات والمنفى القسري، وكثيرٌ منهم مهنيّون وأكاديميون وروّاد أعمال، يمكنهم الإسهامُ في بناء قدرات الإقليم الذاتي. عبر برنامج «استعادة العقول» عالميّ، نستطيع دعوة الأطباء والمهندسين والمعلّمين من شتاتنا لقضاء فتراتٍ في الإقليم، لتدريب الكوادر ورفع مستوى الخدمات. هذا الحشدُ العائلي يقوّي المنطقةَ ولُحمتنا كشعبٍ معًا، ويُضفي كذلك بُعدًا دوليًّا على مشروع الحكم الذاتي، فيجعله مدعومًا من مجتمعاتٍ في قاراتٍ عدّة، وبالتالي أعسرَ على أيِّ مُعتدٍ أن يسحقه.
وفي تثبيت حقّنا في الحكم الذاتي نقف على أرضٍ قانونيةٍ وأخلاقيةٍ صلبة. سنستند إلى حقِّ الشعوب في تقرير المصير المكرّس في ميثاق الأمم المتحدة والعهدين الدوليين لحقوق الإنسان. لقد اعترف العالم منذ عقودٍ بتقرير المصير الفلسطيني؛ ونحن الآن نُجسِّد جزءًا منه لمجتمعِنا الذي تحمّل الأسوأ. وسنحتجّ بالمادة (4) من «إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية» للمطالبة باعترافٍ دوليٍّ بوضعنا الذاتي بوصفنا شعبًا أصيلًا، وهو ما يستلزم درجةً من الحكم الذاتي. ولن نقبل اعتراضاتٍ تزعم أنّ هذا يُقوِّض «مفاوضاتٍ مستقبلية»؛ بل على العكس، لا مفاوضاتٍ حقيقية إلا حين يكون شعبُنا حيًّا وآمنًا وحُرًّا، وذلك ما يضمنه الحكمُ الذاتي. وإذا لزم الأمر سنسعى إلى قرارٍ من الجمعية العامة يُقِرّ الهويةَ التاريخية لقبيلتنا ويؤيّد حقَّنا في الحكم الذاتي (وإن كان غير مُلزِم، فإنّه يرسّخ سابقة).
وأخيرًا، نُؤكّد أنَّ الحكم الذاتي هو قبل كلِّ شيءٍ صَونٌ للحياة والثقافة والرابطة بالأرض. إنّه الجوابُ الطبيعي على عقودٍ من الإبادة والإثنوصيد. وحين شهد العالمُ أممًا أصيلة في الأمريكتين أو أسترالازيا تواجه خطرَ الفناء، جاء الجواب بمنحها أقاليم وحقوقًا ذاتية. ونحن لا نطلبُ أقلَّ من ذلك. ستقوم قبيلة حسّنات أبو مُعَيلق حرّاسًا لإرث الأرض المقدسة الأصيل، تحمي مواقعَنا الأثرية والأجدادية، وتحافظ على الطابع الكنعاني للقبيلة، وتضمن أن تحترم أيُّ حوكمةٍ فوق مناطقنا الأرضَ وحكمةَ الأسلاف. وبذلك يَغدو حُكمُنا الذاتي خدمةً لإرث الإنسانية جمعاء، لا لأنفسنا فحسب.
لقد أثبتت الإبادةُ المنهجية والاضطهادُ المنظّم بما لا يدع مجالًا للشك أن قبيلتنا يجب أن تحكم نفسها كي تبقى وتزدهر. تمنحنا حقوقُنا التاريخية، بوصفنا أبناءَ كنعان، الشرعيةَ؛ وتمنحنا الضرورةُ الإنسانيةُ الوجوبَ؛ ويمنحنا القانونُ الدولي الإطارَ لانتزاع هذا الحق. بإقامة الحكم الذاتي نستعيد صوتَنا وفاعليتَنا، ونعلن أننا لن نُقتَل صامتين، ولن نعيش ونموت تحت رحمة الغازي. بل سنرسم دربَنا بأيدينا، على أرضنا، مجتمعًا متمايزًا حُرًّا. هكذا نُكرِّم أسلافَنا ونبثُّ الأملَ في أجيالنا القادمة.
تعبئةُ قبيلتِنا من أجل العدالة والاعتراف
تقودنا دراستُنا وأدلّتُنا إلى خلاصةٍ لا لبس فيها: يجب على قبيلةِ حسّنات أبو مُعَيلق أن تتوحّد وتتحرّك الآن، عالميًّا وبمنهجيّة، لتأمين حقوقنا وتحقيق العدالة لشعبنا.
لم يَعُد لدينا متّسَع لليأس أو السكون. وبروح أسلافنا الذين «جلدوا عواصف التاريخ كلّها»، سنجتازُ عتمةَ اليوم بالفعل الجماعي. يحدّد هذا الختامُ دعواتٍ صريحةً وواضحةً إلى العمل لأبناء القبيلة في كلّ مكان، خارطةَ طريقٍ لتنظيم صفوفنا والمطالبة بالاعتراف وإطلاق حملاتٍ منسّقة على الجبهات القانونيّة والسياسيّة والقواعديّة. نصوغ هذه الدعوات بصيغة «نحن» لأنّ كلّ واحدٍ منّا جزءٌ من هذه الحركة، ومعًا نحنُ الحلّ.
١) تشكيل المجلس القبلي العالمي وشبكة وحدة
ندعو جميع أبناء قبيلة حسّنات أبو مُعَيلق داخل المنطقة وخارجها إلى الالتقاء وتأسيس «المجلس القبلي العالمي» بوصفه هيئتَنا التمثيليّة. يتكوّن هذا المجلس من شيوخٍ موثوقين وممثّلي الشباب ومهنيّين وناشطين من قبيلتنا، مرآة لمواهب مجتمعنا وصلابتِه. تفويضُه تنسيقُ استراتيجيّتنا والتحدّثُ بصوتٍ واحد أمام الحكومات والمنظّمات الدوليّة. سنجري مشاوراتٍ ديمقراطيّة (افتراضيًّا وحضوريًّا حيث أمكن) لانتخاب أو تزكية أعضاءٍ ثبت إخلاصُهم للقبيلة. وبعد تشكيله، ينعقد المجلسُ دوريًّا (بوسائل اتصالٍ آمنة) لتنفيذ بنود هذا الإيجاز، ويبني جسورَ تحالفٍ مع قبائل فلسطينيّة وأصيلة أخرى. وعمليًّا، نُكلِّف المجلسَ منذ الآن بالسعي إلى اعترافٍ رسميّ بقبيلة حسّنات أبو مُعَيلق شعبًا متمايزًا، سواءً عبر الاعتراف بوضعٍ أصيلٍ في الأمم المتحدة، أو عبر إقراراتٍ من دولٍ صديقة. فالاعترافُ قوّة: يُثبّت حقوقَنا ويُحصّن حمايتَنا في القانون الدولي. وكلُّ فردٍ يستطيع المساعدةَ بالتعرّف إلى شخصيّاتٍ مؤثّرة في بلدِه (نوّاب، مفوّضو حقوق إنسان، إلخ) والتواصل معها. انضمّوا أو أسِّسوا فروع حسّنات أبو مُعَيلق محليّة تتبع للمجلس العالمي، تعمل على التوعية والمرافعة في مدينتِكم. معًا سننسج شبكةً لا تُكسر، تضمن ألّا يقف فردٌ من قبيلتِنا وحيدًا وأن تتناغم مبادراتُنا عبر العالم.
٢) وثِّقوا… وثِّقوا… وثِّقوا، وقدِّموا الأدلة
ندعو أهلَنا، وخاصةً ذوي الخبرة القانونيّة أو الإعلاميّة أو البحثيّة، إلى حملةِ توثيقٍ كبرى. علينا مواصلةُ توثيق كلّ حادثةِ فظاعةٍ أو قمعٍ أو تحريضٍ أشرنا إليها في هذا التقرير، في فلسطين والشتات. تُجرى مقابلاتُ الشهود (بموافقتِهم وحمايتِهم)، وتُحفَظ الوثائق، وتُفهرَس المواد المرئيّة والمسموعة. وندعو المتمكّنين تقنيًّا إلى إنشاء أرشيفٍ رقميٍّ آمنٍ مع نُسخٍ احتياطيّة لكلّ مادّة. هذا جوهريٌّ لمذكّراتنا إلى المحكمة الجنائيّة الدوليّة ولسائر التحرّكات القانونيّة. كما نجمع أدلّةَ آليّات التنسيق: لقطات شاشة لإشعارات حجبٍ رقميّ، وثائقُ مُسرَّبة عن اجتماعاتِ عبّاس وعائلته ودائرته مع الاحتلال وأيّ خصمٍ مُعلَن لشعبنا، قوائمُ زياراتِ المسؤولين لعواصمَ زمنَ الإبادة، إلخ. كلُّ ادّعاءٍ يجب أن يستند إلى بيّنة، وكلُّ بيّنةٍ جاهزةٌ لِلعرض أمام محكمةٍ أو منبرٍ إعلامي. ونهيبُ بالمحامين والمساعدين القانونيّين في القبيلة تشكيلَ «فرقة العدالة» تحت المجلس العالمي، لتجميع مراسلات المادة 15 إلى المحكمة الجنائيّة الدوليّة كما بُيّن. اللحظةُ الآن، فالتحقيقُ في قضيّة فلسطين جارٍ؛ وإضافةُ جريمة الإبادة ومشتبهين جدد مرهونةٌ بالأدلة. فإن كنتَ شاهدًا أو ناجيًا، فاتّصل عبر قنواتنا الآمنة (يُنشئها المجلس) ليُضمَّ صوتُك. بمشاركتِك في هذا الجهد، تغدو وصيًّا على الحقيقة كي لا يقول العالمُ لاحقًا: «لم نكن نعلم».
٣) الشروع في مراسلاتِ الـICC وتحرّكاتٍ قانونيّة
وفق الإطار أعلاه، ندعو قانونيّي القبيلة وشركاءَنا إلى تقديم أوّل مراسلاتِنا إلى مدّعي المحكمة الجنائيّة الدوليّة بموجب المادة 15 قبل نهاية 2025. سيكون فعلًا تاريخيًّا، قبيلةُ حسّنات أبو مُعَيلق تقرع أبواب لاهاي شاهدةً لشهدائنا. ستكون المذكرةُ شاملةً وموثّقةً بالهوامش، تُسَمّي مصادرَ الانتهاكات وأدلّتَها، وتُسمّي صراحةً الأشخاصَ الذين نلتمس ملاحقتَهم (مسؤولين وأيّ فاعلين تقوم لهم ولاية). وبعد إيداعها، نُعلنها على الملأ، مؤتمراتٍ صحفيّةً وبياناتٍ وإطلاقاتٍ رقميّة، لإظهار أنّنا نقلنا قضيّتنا إلى أعلى محكمة. هذا يضغط على الـICC ويُلهِمُ الرأيَ العام بتحويل صورتِنا من ضحايا فحسب إلى طالبي عدالةٍ فاعلين. وسننسّق مع منظّماتٍ حقوقيّةٍ مؤازرة كي تُشارِك أو تؤيّد مذكّرتَنا فتتعاظمَ قوتُها. وبالتوازي، نُعِدّ خططًا بديلة: دعاوى في محاكمَ وطنيّة حيث تقوم الولايةُ على جرائم الحرب (مثلًا إن سافر مُرتكِبٌ إلى تلك الدولة). يتولّى محامو القبيلة في البلدان المختلفة قيادةَ ذلك. حان وقتُ إرباكِ المجرمين وشركائِهم؛ فإن خافوا الاعتقالَ في الخارج فذلك قَدْرٌ يسيرٌ من العدالة. كما نحثّ الأكاديميّين منّا على كتابة مذكّراتٍ قانونيّة ومقالات رأي ورسائل مفتوحة تؤازر مسعانا أمام المحكمة وتُبرز التواطؤ (مثل «علماء قانون يحضّون الـICC على التحقيق في دورٍ سعودي/أميركي في جرائم غزّة»). خلاصةُ القول: انقلوا المعركةَ إلى قاعات القضاء وعلى جدول الأعمال العالمي. ليَعلمْ كلُّ متواطئٍ أنّنا آتونَ إليه بالقانون، مُجهَّزين بالأدلة وبالشرعيّة الأخلاقيّة.
٤) إطلاق صندوق عدالة حسّنات أبو مُعَيلق للجهود القانونيّة والإنسانيّة
تتّجه المنصّة إلى إنشاء صندوق عدالة حسّنات أبو مُعَيلق المخصّص لدعم معاركِنا القانونيّة واحتياجاتِنا الإنسانيّة الملحّة. يجمع الصندوقُ التبرّعات من أبناء القبيلة وأصدقائها وكلّ نصير. وتُدار المواردُ بشفافيّةٍ عبر لجنةِ ماليّةٍ تابعةٍ للمجلس العالمي. في الشقّ القانوني يغطّي الصندوقُ تكاليفَ الاستعانة بمحامين ومحقّقين دوليّين ورسومَ التقاضي ونفقاتِ سفر الشهود وحمايتِهم. وفي الشقّ الإنساني يوفّر عونًا مباشرًا للأسر المنكوبة (علاجًا طبّيًّا، دعمًا نفسيًّا، إعادةَ بناء). وبالجمع بين المسارين نقول للعالم إنّ العدالةَ والإغاثة يمضيان معًا، نطلب الحسابَ ونُداوي الجراح. ندعو كلَّ قادرٍ: ساهم بما تيسّر، عشرة فلوس، عشرة آلاف، أو مليون، في الجهد المشترك. ومن لا يملك المال فليُسهم بالوقت والمهارة: تطوّع لتنظيم حملات تبرّع، تواصَل مع جمعيّاتٍ مانحة، أو اكتُب طلباتِ منح. ويمكن استقطاب مؤسّساتٍ أو شبكاتِ أعمالٍ في الشتات لرعاية مبادراتنا. وجودُ الصندوق رسالةٌ أيضًا: نحن نستثمر في مستقبلِنا ولن ننتظر المنقذين. وحين نبلغُ الحكمَ الذاتي قد يتطوّر الصندوقُ إلى صندوقِ تنميةٍ وطنيّ لقبائلنا البدويّة الأصيلة في فلسطين. أمّا الآن، فهو محرّكُ حملتِنا، يضمن أن يملك المدافعون عنّا أدواتِهم، وأن تنال الأسرُ الأكثر تضرّرًا ما يُسندُها لتصمد وتلتحقَ بالنضال.
٥) التعبئةُ القاعديّة: الاحتجاجاتُ وحملاتُ التوعية والمقاطعة
ندعو جميعَ أبناء القبيلة وأنصارَنا حول العالم إلى خوضِ نشاطٍ شعبيٍّ مستمرّ يبدّل الرأيَ العام ويضغطُ على الحكومات. ينبغي أن يجلجلَ صوتُنا في الشوارع وعلى المنصّات الرقميّة، ليُفكِّك التعتيمَ والأكاذيبَ التي تديرها وسائلُ إعلامٍ غربيّة وخليجيّة. نظِّموا احتجاجاتٍ واعتصاماتٍ جماهيريّة أمام سفاراتِ الدول المتواطئة في إبادةِ قبيلتِنا وشعبِنا (مثل الولايات المتحدة والسعودية والإمارات) وأمام مكاتبِ الأمم المتحدة. نسِّقوا هذه التحركات في تواريخَ مفصليّة، مثل ذكرى قصفِ مستشفى الأهلي المعمداني أو «يوم إحياء إبادة شعبنا» (النكبة)، لِتعظيم الأثر. ارفعوا في تلك الفعاليّات، إلى جانب الأعلام الفلسطينيّة، رموزَ قبيلتنا (شعار القبيلة أو علمُها القبليّ) لِتعزيز حضورنا. اهتفوا بصوتٍ واحد من أجل عدالةِ المحكمة الجنائيّة الدوليّة (ICC) ومن أجل الاعتراف بحكمِنا الذاتي. ويمكن للمنصّة أن توفّر «عدّة احتجاج» تحوي الشعاراتِ والأوراقَ التعريفيّة المستقاة من هذا الإيجاز. والمهمّ: التزموا بسلميّةٍ ووقار، فأيُّ عنفٍ سيخدم خصومَنا.
وبالتوازي، علينا إطلاقُ حملةِ توعية، خصوصًا تجاه مَن وقعوا تحتَ سحرِ التضليل. كلُّ فردٍ من القبيلة صحفيٌّ مواطن: شاركوا أدلّتَنا الموثَّقة على مواقع التواصل، واجهوا السرديّاتِ الزائفة في التعليقات، وانظِّموا حلقاتٍ تثقيفيّة في الجامعات والمراكز المجتمعيّة. لِنُنتجْ مقاطعَ قصيرة ورسوماتٍ تشرح «الآليّاتِ العشر للتنسيق» كي نُعلّمَ الجمهورَ الأوسع كيف تُقمعُ قضيتُنا. استعينوا بالفنّ والثقافة: يبدع شعراؤُنا وفنّانوُنا وموسيقيوُنا أعمالًا تحكي سيرةَ قبيلتِنا، تربط صمودَ القدماء بمقاومةِ اليوم، وتنتشر عالميًّا (فهي تُخاطب القلوبَ حيث قد لا تكفي البيانات). ويمكننا إطلاق جولة حقيقة حسّنات أبو مُعَيلق، وفودٌ من الناجينَ من الإبادة وشيوخِ القبيلة يحدّثون الناسَ في بلدانٍ شتّى (كنائس، مساجد، برلمانات، منصّات إعلام) عمّا جرى ولماذا نحتاجُ إلى الحكم الذاتي. لا شيءَ أبلغُ أثرًا من شهادةٍ شخصيّة تجمع الألمَ والأمل.
وأخيرًا، ندعو إلى حملاتِ مقاطعةٍ وسحبِ استثمارات ضدّ الشركات والمؤسّسات المتواطئة في قهرِنا وإبادتِنا على أرضِنا. حدِّدوا، مثلًا، شركاتِ التكنولوجيا الأميركيّة التي تحجب أصواتَنا أو تُسخِّر تقنياتِها لارتكاب الجرائم ضدّ شعبِنا، أو جماعاتِ الضغط التي تروّج لتطبيع الإبادة، وسمُّوها علنًا. احثّوا الأكاديميّين على مقاطعة مؤتمراتٍ في دولٍ «تقمع احتجاجاتِنا»، وادعوا المستهلكينَ إلى مقاطعةِ منتجاتِ الشركات التي توفّر قنابلَ تُسقَط على أطفالِنا. هذه تكتيكاتُ «عدمِ التعاون» الاقتصادي والاجتماعي تَضغط على المصالحِ وراء منظوماتِ القمع. كلُّ فردٍ يستطيع المشاركةَ إمّا بتعديل عاداتِ إنفاقِه، أو بحشدِ حملاتٍ في مكانِ عمله أو في جامعتِه لسحبِ الاستثمارات من جرائمِ الحرب المرتكبة في فلسطين.
بنشاطٍ قاعديٍّ دؤوب سنقوّضُ أعمدةَ السردِ الزائف ونبني موجةَ تضامنٍ شعبيّ. تذكّروا: وإن خذلتْنا الحكومات، فإن شعوبَ العالم، متى عرفتْ الحقيقة، تقفُ مع المقهورين. واجبُنا أن نُخبِرَهم ونُلهمَهم. حين يطالبُ المواطنون في الأممِ كافّة قادتَهم بدعم مساعينا لدى المحكمة الجنائيّة الدوليّة أو الاعتراف بحكمِنا الذاتي، تتغيّرُ الحساباتُ السياسيّة. لذا فكلُّ لافتة، وكلُّ تغريدة، وكلُّ حديثٍ مع جارٍ، هو فعلُ بناءٍ لقبيلتِنا.
٦) المطالبةُ بالاعتراف بالحُكم الذاتي والاستعدادُ لممارستِه
ندعو أبناءَ القبيلة إلى السعي الفعّال لانتزاع اعترافٍ رسميّ بحقّنا في الحكمِ الذاتيّ لأنفسِنا في مواطنِ أسلافِنا، والعملِ عليه. سيتولّى «المجلسُ القبليّ العالمي» الدبلوماسيّةَ رفيعةَ المستوى، لكنْ لكلّ واحدٍ منّا دور: إن كانت لديك صِلاتٌ بسياسيّين محليّين أو بهيئاتِ حقوقِ الشعوبِ الأصيلة، فعرِّفْهم بخصوصيّةِ قبيلتِنا والتَمِس دعمَهم العلنيّ. وربّما أمكن لأوطانٍ متعاطفةٍ في أمريكا الجنوبيّة أو أفريقيا، بدفعٍ من جالياتِنا هناك، أن تطرحَ قرارًا في الأمم المتحدة أو تمنحَ اعترافًا رمزيًّا بقبيلة حسّنات أبو مُعَيلق. سيضع فريقُ العمل للضغطِ السياسيّ (ينشئه المجلس) نقاطَ الحديث والوثائقَ التاريخيّة لهذه المداولات.
وبالتزامن، علينا إعدادُ «مخطّطِ» كيفيةِ عملِ حكمِنا الذاتيّ. نَدعو ذوي الخبرة في الحوكمة والإدارة والتنمية إلى التطوّع ضمن مجموعاتِ عملٍ لصياغة خططٍ لـِ: هياكلٍ إداريّةٍ انتقاليّة، وترتيباتِ أمنٍ مجتمعيّ («شرطةٌ مجتمعيّة» بإشراف القبيلة)، وتنميةٍ اقتصاديّةٍ لمنطقةِ حكمٍ ذاتيّ، وخدماتٍ اجتماعيّة (مدارس، رعاية صحيّة) تراعي ثقافتَنا. عمليًّا، نبدأُ بالتصّرف وكأنّ الحكمَ الذاتيّ آتٍ عبر تصميمِه من القاعدة. لذلك فائدتان: الأولى أنّه يُظهِرُ للعالم جديّتَنا وكفاءتَنا (فيزيد احتمالَ الاعتراف)، والثانية أنّه متى سنحت الفرص (فراغُ سلطةٍ أو اتفاقُ سلام)، نُطبّقُ حوكمتَنا فورًا بدلَ الارتباك. كما ينبغي البدءُ في «رَسمِ خرائطِ الأرض»، تحديدُ المناطقِ المفتاحيّة من أقاليمِنا القبليّة التاريخيّة التي نطالبُ بها للحكم الذاتيّ (وتوثيقُها بالخرائطِ والسجلّات). ويساعدُنا هنا فريقُ البحث التاريخيّ بمواءمة خرائطِ القبيلة وملكيّاتِ اليوم. هذا يغذّي مطلبَنا السياسيّ: مناطقُ (أو بلديّات) بعينِها نلتمسُ فيها حُكمًا ذاتيًّا.
وندعو أهلَنا إلى إسنادِ الإخوةِ على الأرضِ في مباشرةِ الإدارة الذاتيّة. فمَن بقي في القرى تحت الاحتلال: ابدؤوا بتشكيل لجانٍ محليّةٍ يمكن أن تندمجَ لاحقًا في إدارةٍ ذاتيّة. لقد بادرت بعضُ البلداتِ إلى لجانٍ بلديّةٍ تديرُ الشأنَ المدنيّ؛ نشجّعُ ذلك، تحت مظلّة القبيلة، نموذجًا أوّليًّا للحكم الذاتيّ، لإقامةِ بنًى حوكميّةٍ موازية.
وعالميًّا، كلّما ارتفع صوتُنا بالاعتراف، أمكننا طلبُ لجنةٍ أو بعثةٍ لتقصّي الحقائق تزورُ مناطقَنا وتُقيّمُ مطالبتَنا بالحكم الذاتيّ. ربّما تُلبّي «منظومةُ الكاريبي» (CARICOM) أو «الاتحادُ الأفريقيّ» دعوةً لإيفادِ فرقٍ كهذه متى أحسنّا الانخراط. وكلّ اعتراف، ولو كان قرارَ مجلسٍ بلديٍّ في الخارج يؤيّدُ حكمَنا الذاتيّ، يزيدُ الزخم. لذا نحثّ على مرافعةٍ خلاّقة: إقناعُ النقابات العمّاليّة واتّحادات الطلبة والمؤسّسات الدينيّة بتبنّي حقّنا في تقرير المصير بوصفِنا قبيلةَ حسّنات أبو مُعَيلق. هذه الإسنادات، وإنْ رمزيّة، تصنعُ سرديّةً تتسرّبُ تدريجيًّا إلى صانعي القرار.
وخلاصةُ القول: تَصرّفوا كحُكّامِ مستقبلِنا، وفكّروا وخطِّطوا وكأنّ الحكمَ الذاتيّ وشيك. فحين نتصرّفُ كأمّةٍ حرّةٍ، يبدأُ العالمُ بالتعامل معنا كذلك. ونحن حقًّا أحرارٌ روحًا وهويةً، ونطالبُ الآن بالإطارِ السياسيّ الذي يُمكّنُنا من عيشِ هذه الحقيقة.
٧) تعزيزُ التضامن وبناءُ دروعٍ ضدّ القمع
لسنا مَن تُعرِّفنا به الهويات التي فرضها الصهيونية وداعموها في أميركا وأوروبا. نحن مقيَّدون بتراثٍ عتيقٍ يعلو على الحدود القومية والسياسية والدينية. تتردّد هذه الكلمات اليوم بصدقٍ غير مسبوق في أعقاب الإبادة الجماعية. – باجس حسنات أبومُعَيلق
أخيرًا، ومع تعبئتنا المتصاعدة، ندعو كلَّ فردٍ من أبناء القبيلة إلى رعاية أخيه وأخته وبناء تضامنٍ فعّالٍ مع الحلفاء لتشكيل درعٍ واقٍ حول حركتِنا. خصومُنا لن يقفوا مكتوفي الأيدي؛ قد يُكثّفون المراقبةَ، وحملاتِ التشويه، بل وحتى الملاحقاتِ القضائيّة ضدّ ناشطينا. لذلك يجب أن نبني شبكاتِ أمانٍ متينة: فرقُ دفاعٍ قانونيّ جاهزةٌ للدفاع عن أيّ عضوٍ من القبيلة يُحتجز ظلمًا بسبب نشاطه (مثلًا: إن اعتُقِل عضوٌ في السعودية أو فرنسا بسبب منشوراتٍ على وسائل التواصل عن فلسطين، فعلى شبكتِنا أن تُطلق فورًا حملةً للمطالبة بإطلاق سراحه). شاركوا أدواتِ التواصل الآمن ودوراتِ الأمن الرقميّ داخل القبيلة لِمواجهة التجسّس أو الاختراقات الإلكترونيّة. وإذا شعر أيُّ عضوٍ بتهديدٍ مباشر، فعلى لجنة الدعم التابعة للمجلس القبليّ العالمي أن تتحرّك، حتى إلى حدّ إعادة التوطين عند الضرورة. لا أحد يقفُ وحده.
وبالتوازي، شقّوا تحالفاتٍ تتجاوز القبيلة. نمدّ أيدينا إلى كلّ أبناء شعبنا الفلسطيني، فنحن شعبٌ واحد ومسعانا للحكم الذاتيّ مكمّلٌ للنضال الوطنيّ لا مُزاحِمٌ له. ونطلب التضامن من الأمم الأصيلة حول العالم، من السكّان الأصليّين في أميركا إلى الأبورجيني في أستراليا، ممن يعرفون مِحنتَنا وقد واجه كثيرٌ منهم إبادةً ثقافيّة، بإمكانهم إسنادُنا بالخبرة والدعم. سنَدعو ممثّليهم للانضمام إلى نداءاتنا من أجل العدالة. كذلك نَصِل بالحلفاء اليهود الرافضين لصهيونيّةٍ تعبثُ بأرضنا المقدّسة، أصواتُهم (ومنها جماعاتٌ يهوديّة وصفت أفعالَ إسرائيل بالإبادة) تُحدث أثرًا قويًّا وتُفكّك الادّعاء السخيف بأننا «معادون لليهود»، وكأنّ اليهوديّة لم تنشأ هنا في ديارِنا. حركتُنا جامعةٌ ومبدئيّة: نحن ضدّ قهرِ عائلاتنا واحتلالِهم عسكريًّا، ولسنا ضدّ أيّ دينٍ أو شعب. بهذه الروح ستسقط محاولاتُ وَسمِنا بالتطرّف. وأبرِزوا أنّ الأوروبيّين، بصرف النظر عن دياناتهم، وأنّ دول المحميّة البريطانيّة السابقة في جنوب الجزيرة العربيّة لا يملكون أيَّ حقٍّ في أرضِنا.
وندعو إلى حملاتٍ منسّقة مع الائتلافاتِ المناهضة للحرب ومنظّماتِ حقوق الإنسان. إنّ حملة قبيلة حسّنات أبو مُعَيلق من أجل عدالة المحكمة الجنائيّة الدوليّة ومن أجل الحكم الذاتي يمكن أن تكون رأسَ حربة تلتفّ حولها قضايا العدالة عالميًّا. نشجّع المنظّمات غير الحكوميّة على الاستناد إلى أدلّتنا في تقاريرها، والناشطين حول العالم على اقتباس ندائنا في تحرّكاتهم. كلّما دخل سردُنا إلى التيّار العام، ازداد الغطاءُ السياسيّ أمام المسؤولين للتعامل معنا. هذا هو هدفُ التضامن: أن يصبحَ قضاؤنا قضيةً مشتركة لكلّ من يقف ضدّ الإبادة والاستعمار وقهر الشعوب.
خاتمة: هذه النداءاتُ إلى الفعل هي خُطّةُ نجاةٍ ونصر. نحن، منصّةُ قبيلة أَبِيمِيليْك، نُعلن أنّنا لن نعود ضحايا سلبيّين للتاريخ، بل سنصنعُ التاريخ. بالتنظيم الداخليّ والتمدّد الخارجيّ، وبالنضال في المحاكم وفي ساحات الرأي العام، وبرعاية أهلنا ومحاسبة الخونة، نستعيدُ هويّتَنا ووكالتَنا. هذا المذكرةُ الاستراتيجيّة ليست لِتُركَن على رفّ؛ إنّها وثيقةٌ حيّة، خطّةٌ سنُكيّفُها ونُنفّذُها معًا، ابتداءً من الآن.
إلى كلّ فردٍ من القبيلة يقرأ هذه السطور: دورُك حاسم. إن كنتَ طالبًا، فشكّلْ مجموعةً جامعيّةً لِنشر الحقيقة والضغط من أجل سحب الاستثمارات. وإن كنتَ أبًا أو أمًّا، فَعلِّموا أبناءَكم تاريخَنا الكنعانيّ وشاركوهم فعاليّاتِ التضامن. وإن كنتَ مهنيًّا، فاستثمرْ شبكتَك لِتضخيم رسالتِنا في مجالِك. وإن كنتَ في مخيّمِ لجوءٍ أو تحت احتلال، فاعلمْ أنّ العالم سيسمعُ صوتَك من خلالنا، وافعلْ محليًّا ما تستطيعُ حتّى يأتي الفرج. ونخاطبُ شبابَنا خصوصًا: طاقتُكم وابتكارُكم محرّكُ هذه الحركة؛ امتلكوها، ابتكروا، واستعملوا حِذقَكم الرقميّ لتجاوز الرقباء.
ونختِم برسالةِ وحدة: نحن قبيلة حسّنات أبو مُعَيلق بني كنعان. نجونا من الغزواتِ القديمة؛ نجونا من النكبة؛ نجونا من الإبادة. واليوم، بوحدتنا وفعلِنا، سنحوّل القهرَ إلى قوّة. دماءُ أطفالِنا تصرخُ من الترابِ طلبًا للعدالة، وسنحقّقُها.
فلْيكن هذا الإيجازُ الاستراتيجيُّ دليلَنا ووعدَنا: سنُنظّم، سنُطالب، سنُحاجِج ونُخاطر سياسيًّا، وسنبلغ العدالةَ والاعترافَ والمستقبلَ الحرّ لقبيلتِنا ولِفلسطين كلّها.
بعزمٍ لا يلين، وفي تضامنٍ وإيمان، نتقدّم، معًا،
باجس حسّنات أبو مُعَيلق
المدير التنفيذي
منصة قبيلة أَبِيمِيليْك





