
تنطلق منصّة قبيلة أَبِيمِيليْك، وهي تلوّح بفخر براية واحدة من أقدم قبائل كنعان القديمة، قبيلة الحسنات أبو مُعيْلِق (المعروفة أيضًا بقبيلة الأعمال الصالحة لأبيمالك)، لتتّحد مع أبناء عمومتها في الشمال، قبيلة البراهِمِيّة وفروعها الكثيرة، المغروسة في تُراب فلسطين وطينها، في مهمةٍ لِجمع أبناء كنعان. وبعد أن سئمت من أن تُلقى في ظل أسطورة «القبائل العربية»، تشمّر هذه المنصّة عن سواعدها لبناء روابط عائلية أقوى، وتأديب الصغار لأن لا أحد غيرنا سيفعل، والقفز فوق الحدود كغزال فلسطيني مُدرّب، وحشد الجميع في طلب العدالة. ويأتي كل ذلك مع جرعةٍ وافيةٍ من الفخر التاريخي، والتزامٍ صادقٍ بتكريم عهود الآباء، وبوعيٍ تاريخي عميق وبواجباتٍ لصون عهود فلسطين الجوهرية وشعبها مع الله.
تقرير منصّة قبيلة أَبِيمِيليْك
موضوع التقرير: مزاعم التستّر وتيسير ارتكاب جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانيّة ضمن ولاية المحكمة الجنائية الدولية في دولة فلسطين.
تاريخ الإصدار: ٢٨ تشرين الأوّل/أكتوبر ٢٠٢٥ عن منصّة قبيلة أَبِيمِيليْك.
صون وطن فلسطين وسيادة القبائل
لا يزال الشعب الفلسطيني الصامد يتحمّل إبادة جماعية وإثنوسيد لا ينقطعان، بحصيلةٍ مفجعة تبلغ ٧٠،٠٠٠ روح أُزهقت خلال عامين، و١٧٠،٠٠٠ أصيبوا بإصابات وإعاقاتٍ دائمة. تُقتل عائلاتنا على نطاقٍ لم تعرفه البشريّة من قبل، وفقدُ الأحبّة يمزّق نسيج عائلاتنا لأجيال. كنا قد أُجبرنا من قبل على التشتّت والانقسام، وها هي جريمةٌ هائلة بهذا الحجم تتكشف من جديد.
وعبر التاريخ، حافظ الكنعانيّون ككل، بما في ذلك قبيلة البراهِمية وسائر سكّان فلسطين، على فلسطين، هذه الأرض المقدّسة، إذ اختاروا البقاء عليها ولم تكن لهم مطامح للتمدّد خارجها أو إقامة إمبراطوريات، بل آثروا المقام فيها لصونها والاستعداد لاستقبال الأنبياء والرسل والرسالات. تحمّلوا في سبيل ذلك الحروب والغزوات، وتعرّضت أرض فلسطين، أكثر من أي بلدٍ آخر في العالم، للاحتلال والتدمير والظلم عبر التاريخ.
وفي مفارقة قاسية، أدّى تلاقي المسيحيين والمسلمين واليهود ضمن إطار «اتفاقات أبراهام» برعايةٍ أميركيّة، وهو إطار سلام من أجل الربح جرى استثناء الفلسطينيين منه عمدًا، إلى أن نجد أنفسنا مشاركين غير راغبين في مطاردةٍ عالمية. في هذا المشهد يعمل الجنوبيّون العرب من مجلس التعاون الخليجي بصفته محميّة بريطانية سابقًا، مع شمال الأميركيّين والأوروبيّين الغربيّين، على قمع روايتنا واستغلال مواردنا وتشتيتنا في العالم وكأننا نزلاء غير مرغوب فيهم في عالم يزعمون أننا لا ننتمي إليه. ومن يتحدث من الفلسطينيين عن أثر ذلك على عائلته يواجه ردّات فعلٍ عنيفة كأنه مسّ حقيقةً كبرى. مثالٌ لافت هو الدكتورة رحمة عدوان في إنجلترا ومحمود خليل في الولايات المتحدة.
وفي الأثناء، يتعرّض علماؤنا وأساتذتنا وصحافيّونا ومفكّرونا وأطبّاؤنا ومهندسونا وممرّضونا في فلسطين للاغتيال بأسلحةٍ تقودها أنظمة ذكاءٍ اصطناعي، لأن شركاتٍ عالميةً كبرى مقرّها الغرب ومعظمها أميركيّ انخرطت في هذه المطاردة الديستوبية ضد أقدم حضارة على وجه الأرض. مجتمعاتنا الأصيلة التي شيّدت مكتباتٍ وعياداتٍ وجامعاتٍ ومشاغل تفقدُ أولئك الذين يعمّرون ويشفون. تحوم الطائرات المسيّرة فوق رؤوس أطفالنا ليلًا مثل مصوّري المشاهير، تملأ السماء أصواتًا عالية مرعبة وتستهدفهم واحدًا واحدًا. قُتل أكثر من ٢٠،٠٠٠ من أطفالنا ورُضّعنا، وكثيرٌ منهم برصاصاتٍ في الرأس، وكثيرٌ منهم على يد مرتزقةٍ أميركيّين بالتعاون مع مترجمين إماراتيين وقطريين على الأرض. وأُزهقت أرواحٌ أخرى وهم في منتصف الحلم، نائمين، بأحدث تقنيات الصواريخ والطائرات المسيّرة بدقّةٍ ليزرية.
يبدو الغازي ممزّقًا بين أن يُبقينا أحياء أو يقتلنا، فاختار هجومًا عسكريًا ومدنيًا مسلّحًا بلا سقف. هذه إبادةٌ مضاعفة، حتى إن تغريدةً تُبلغ عن الجريمة تضع هدفًا على ظهرك. كان الأستاذ رفعت العرعير في غزة من أوائل المستهدفين، رحمه الله. وقد جرى تعقّب المؤثّرين والمشاهير والرياضيين الفلسطينيين وقتلهم بدمٍ بارد باستخدام تقنيات وفّرتها Microsoft وGoogle/Alphabet وOracle وAmazon وCisco وDJI وFord Motor Company وGeneral Dynamics وGeneral Electric وGeneral Motors وHyundai وLockheed Martin وMercedes-Benz وOshkosh Corporation وPalantir وRolls-Royce Holdings وRTX (Raytheon سابقًا) وToyota على سبيل المثال لا الحصر. وقد زوّدت هذه الشركات بأسلحةٍ ومعداتٍ عسكرية استُخدمت في الهجمات على أبناء كنعان في فلسطين ولبنان وسوريا منذ تشرين الأوّل/أكتوبر ٢٠٢٣.
إنها جريمةٌ استثنائية كأن البشريّة تؤدّي أظلم اختبارٍ لمرشّحها إلى مرتبة الشرّ التاريخي. تُستخدم التكنولوجيا التي ينبغي أن تحمي المدنيين للعثور على خيرة أهلنا واستهدافهم واغتيالهم. وقد شوّشت هذه الشركات الحدّ الفاصل بين ساحة القتال والحيّ السكني، إذ تتسلّل أدواتها الدقيقة وبرمجياتها إلى غرف نومنا ودرابزين السلالم.
أيرفضون الاعتراف بنا على الأرض التي سمّيناها بيتنا آلاف السنين، أم يعترفون بنا سرًا أصحابًا أصليّين ويفكّرون قائلين لِنُؤرّخ المناسبة بسبعٍ وسبعين سنة من العبث والبلاء؟
تأمّل هذا الواقع. إنهم لا يسمحون لنا بالعيش على أرض الآباء والأجداد، وواضح أنهم لا يريدون لنا أن نعيش بسلامٍ في أي مكان. يبدو الأمر نازيةً أوروبيةً بنسخة ثانية، تُسَلَّح فيها التكنولوجيا الحديثة، حتى الهواتف ومنصّات التواصل. إنها فظاعةٌ مُحكمة الهندسة. وكما ذكرنا من قبل، فهذه حربٌ على سلالة كنعان (بنو كنعان، تلك القبائل العتيقة التي أقامت في بلاد الشام آلاف السنين قبل الديانة الإبراهيمية وأي غزوات) تمتد من فلسطين إلى لبنان وسوريا. وذلك القول القديم «اتفق العرب على أن يختلفوا على فلسطين» يبدو اليوم وكأن قبائل الجنوب العربية لم تكتفِ بالانضمام إلى السهرة بل جاءت بالمؤن، وربما ساندت هذا المشهد الإبادي الكالح منذ عشرينيّات القرن العشرين، لتطرد أخيرًا من سمّونا على الدوام «أبناء الكلاب واليهود» من الأرض المقدسة.
يعرض هذا الموجز أدلةً قاطعةً على هذا التنسيق، من دول الخليج الفارسي التي طبّعت العلاقات مع المحتل إلى تواطؤ محمود عباس وعائلته، ومن التضليل الغربي إلى الرقابة. وعلى ذكر ذلك، هل تساءلت يومًا إلى أي قبيلةٍ ينتسب هذا العميل السابق في جهاز كي جي بي المسمّى عباس؟ الجواب: لا قبيلة. كانت عائلته انتهازيّةً شدّت الرحال إلى فلسطين من إيران عبر سوريا، قادمةً مهاجرة إبّان الاحتلال البريطاني. إن فلسطينيّته كفلسطينيّة سجّادةٍ فارسية في متجر تذكارات بتل أبيب.
أدناه نحدّد عشرة آلياتٍ وفاعلين يدفعون باتجاه التضليل والتعتيم الإعلامي وتطبيع الإبادة، بدءًا من تحالفات الاستخبارات ومنصّات الدعاية وصولًا إلى جماعات الضغط والشبكات الدينية. ثم نرسم إطارًا قانونيًا وسياسيًا للمساءلة، بما في ذلك استراتيجية لرفع مخاطبات بموجب المادة ١٥ من نظام روما الأساسي لدى المحكمة الجنائية الدولية ضد المتواطئين في هذه الجرائم.
إلى القرّاء الذين يبالون بسلامة الإنسان وكرامته على جانبي أيّ حدود، تدعوكم منصّة قبيلة أَبِيمِيليْك إلى وزن الادّعاءات بالأدلة، وتقديم حماية المدنيين بلا استثناء، ودعم المسارات التي تمكّن من مساءلة الأفراد على اختلاف مراتبهم. هكذا تُستعاد الثقة بين المجتمعات بعد الكارثة. لقد تجاوز الضرر الحدود من فلسطين إلى لبنان وسوريا ويقتضي معيارًا واحدًا لحماية المدنيين للجميع. هكذا يلتقي الجيران من جديد بلا خوف.
١. أدلّة على سياسة دولة تمكّن إبادة الفلسطينيين
أ. تواطؤ دول الحماية البريطانية سابقًا وحُرّاس البوابة الإقليميون (مصر والأردن)
شركات العلاقات العامة الغربية منحت دول مجلس التعاون الخليجي تجميلًا دعائيًا، فظهّرتها صانعاتِ سلامٍ بعد الحرب وعرّاباتٍ لغزّة.» - باجس حسنات أبو معيلق
من قصور الخليج إلى القاهرة وعمّان، تحوّل النظام الإقليمي الذي فُرض بيد بريطانيا إلى هندسة أمنية عازلة تحمي آلة الإبادة الجماعية الأوروبية في فلسطين. العواصم ذاتها التي استأجرت شركات دعاية غربية لتتقمّص دور “صانعي السلام” حافظت على قنوات التطبيع، وأسكتت شعوبها في الشوارع، وأحكمت الحدود بينما كانت غزّة تنزف من مئات المجازر. هذه سلسلة قرارات ملموسة خفّضت الكلفة الدبلوماسية للجرائم الجماعية، وخنقت المساعدات عند عنق الزجاجة الاستراتيجي، وجرّمت التضامن المناهض للإبادة مع شعبنا. النمط مُنسَّق ومتراكم ومُنسب لمسؤولين بالاسم تحرّكوا بعد أمر محكمة العدل الدولية في 26 كانون الثاني/يناير 2024 الذي وجد مخاطرة معقولة بوقوع إبادة جماعية، واضعًا كل دولة أمام مسؤوليتها.
لم تُقابل التصريحاتُ العلنية الصادرة من عواصم الخليج بسياساتٍ مقيِّدة. عمليًا، حافظت القصورُ الملكية الأكثر نفوذًا في مجلس التعاون الخليجي (GCC) على مسارات التطبيع مع إسرائيل، وقيّدت الاحتجاج العام في اللحظات الحاسمة، ودفعت بعلاقاتٍ أمنيةٍ وعسكريةٍ وصناعيةٍ عزّزت قدرةَ إسرائيل أو خفّضت الكلفةَ الدبلوماسية لمواصلة الإبادة في غزة.
على الرغم من الغضب الشعبيّ من الإبادة، انتقلت عدّةُ دولٍ خليجية سريعًا لحماية أجندات التطبيع مع إسرائيل. بعد إداناتٍ أولية، عملت هذه الأنظمة خلف الأبواب المغلقة لكبح أيّ ردٍّ قويّ قد يجبر إسرائيل أو حلفاءها على وقف الإبادة بحق عائلاتنا. فعلى سبيل المثال، في قمةٍ عربية-إسلامية طارئة بشأن غزة في أواخر ٢٠٢٣، عطّلت كلٌّ من الإمارات والبحرين والسعودية مقترحًا بأن تقطع دولُ الجامعة العربية ذاتُ العلاقات مع إسرائيل تلك الصلات أو تستخدم حظرًا نفطيًا ضدّ داعمي إسرائيل. وبإسقاط هذا الإجراء، ضمنت تلك الدولُ ألّا يُتّخذ أيّ عملٍ فعّالٍ لوقف الإبادة.
جاء هذا التواطؤ الهادئ متلازمًا مع استمرار جهود التطبيع. في خضمّ الإبادة، أوضح قادةُ الإمارات أنّ «اتفاقات أبراهام» باقية، مع أنّ الفلسطينيين مستثنون عمدًا من هذا الإطار الأميركي، ومع تصاعد أعداد الضحايا. وكان رئيسُ الإمارات أوّلَ زعيمٍ عربيّ يتصل بقيادة إسرائيل بعد اندلاع الحرب، بل وحذّر سرًا أطرافًا إقليميين من التدخّل ضدّ إسرائيل. يكشف هذا السلوكُ أنّ أنظمة الخليج الفارسي قدّمت تحالفَها الاستراتيجي مع إسرائيل على حساب عائلتنا الفلسطينية. والهدفُ النهائيّ، المشتركُ مع إسرائيل والولايات المتحدة، هو سحقُ قيادتنا الأصيلة وتهميشُ القضية الفلسطينية على المسرح العالمي. ترى دولُ الخليج الحركاتِ الشعبية الفلسطينية تهديدًا أيديولوجيًا، ولذا رحّبت ضمنيًا بحملة القتل والتدمير الإسرائيلية. أمّا قطر، فسعت بدايةً إلى النأي بنفسها لإخفاء موقفها، فيما اختار بقيةُ قادة مجلس التعاون البراغماتيةَ على المبادئ. سعوا إلى إنهاء الإبادة بشرطٍ واحدٍ فقط، هو أن يتخلّى الفلسطينيون عن أسلحتهم المصنوعة محليًا لصالح جيش الاحتلال، مع إبقاء حالة الانفراج الإقليمي.
داخليًا، شدّدت حكوماتُ الخليج القبضةَ على أيّ تعبيرٍ مؤيِّدٍ لفلسطين. في السعودية، شنّت السلطاتُ حملةَ اعتقالاتٍ بسبب مجرّد النشر الإلكترونيّ دعمًا لغزة. ووفق «بلومبرغ»، احتُجز سعوديون بسبب منشوراتٍ «مناهضة لإسرائيل» على مواقع التواصل منذ ٧ تشرين الأوّل/أكتوبر، فيما كانت الرياض تهيّئ الرأي العام لتطبيعٍ بوساطةٍ أميركية. وسُجن حتى مسؤولٌ تنفيذيّ بارز بسبب تعليقاتٍ عن غزة عُدّت «تحريضية». تزامن هذا القمع مع ضغطٍ أميركيّ مكثّف لاستكمال صفقةٍ سعودية-إسرائيلية، وهو تزامنٌ لم يَغِب عن المراقبين الذين أشاروا إلى أنّ الحملة جاءت فيما كانت واشنطن والرياض تقتربان «قريبًا جدًا» من اتفاق تطبيع.
وفي الإمارات، حيث يُقيَّد الاحتجاجُ العامّ بقوة، فرضت السلطاتُ حظرًا صارمًا على الرموز والشعارات الفلسطينية. وخلال قمّة المناخ «COP٢٨» في دبي، اضطرّ ناشطون إلى رفع بطيخٍ بدل الأعلام في إشارةٍ إلى فلسطين، لأن القواعد الإماراتية منعت حتى الهتاف بكلمتَي «غزة» و«فلسطين». وأسكتت الأجهزةُ الأمنية هتافاتٍ مثل «حرّروا فلسطين»، في دلالةٍ على سياسةٍ رسميةٍ لمحو الحضور الفلسطيني على منصةٍ عالميةٍ مثل «COP٢٨». عبر هذه الإجراءات، عمل حكّامُ الخليج بالتناغم مع إسرائيل لتحويل الأنظار، واحتواء الغضب العام، وتطبيع العلاقات فيما كانت الإبادةُ تتكشف.
المسؤولون المسمَّون، الأدوار، والنطاق الزمني
يمكن عزو التدابير أدناه إلى صنّاع قرارٍ محدَّدين خلال المدة من تشرين الأوّل/أكتوبر ٢٠٢٣ حتى تشرين الأوّل/أكتوبر ٢٠٢٥، وهي مُؤطَّرةٌ ضمن أنماط المسؤولية المعترف بها في نظام روما الأساسي. تصرّف المسؤولون بعد توثيقٍ واسعٍ للضحايا المدنيين، وبعد أمرِ محكمة العدل الدولية بالتدابير المؤقتة في ٢٦ كانون الثاني/يناير ٢٠٢٤ الذي وجد «خطرًا معقولًا» بوقوع إبادةٍ جماعية، ما وضع كلّ الدول على بيّنة. يشمل ذلك المعاونة والتحريض أو الإسهام في الجرائم «بأيّ وسيلة أخرى» بموجب المادة ٢٥(٣)(ج) والمادة ٢٥(٣)(د) من نظام روما، عبر دعمٍ سياسيٍّ ودبلوماسيٍّ كان له أثرٌ جوهريّ في ارتكاب الجرائم. وتقوم ولايةُ المحكمة الجنائية الدولية الإقليمية على الجرائم المرتكبة في إقليم دولة فلسطين وفق قرار الدائرة التمهيدية في ٥ شباط/فبراير ٢٠٢١. ويمكن أن تَدخل المساعدةُ التي تُحدث أثرًا جوهريًا في الجرائم المُنجَزة في ذلك الإقليم ضمن نطاق المادة ١٢(٢)(أ).
الإمارات العربية المتحدة
محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، ٢٠٢٢ حتى الآن.
المعاونة والتحريض بموجب المادة ٢٥(٣)(c)، أو الإسهام في جريمة جماعية بموجب المادة ٢٥(٣)(d). الجرائم منجزة على الأراضي الفلسطينية التي تخضع لاختصاص المحكمة الجنائية الدولية وفق المادة ١٢(٢)(a). السلوكُ التبعي خارج فلسطين إذا كان له أثرٌ جوهري داخل فلسطين يمكن أن يندرج ضمن وضع فلسطين. قيّمٌ عام على ملف اتفاقات أبراهام، وقائدٌ لبروتوكول مؤتمر المناخ COP٢٨ وشروط الاحتجاج. حافظ على القنوات الدبلوماسية مع إسرائيل طوال فترة الحرب. 📁 عرض الملف
عبد الله بن زايد آل نهيان، وزير خارجية الإمارات، ٢٠٠٦ حتى الآن.
المعاونة والتحريض بموجب المادة ٢٥(٣)(c)، والإسهام بموجب المادة ٢٥(٣)(d). قيّمٌ عام على ملف اتفاقات أبراهام، وقائدٌ لبروتوكول COP٢٨ وشروط الاحتجاج. حافظ على القنوات الدبلوماسية مع إسرائيل طوال فترة الحرب. 📁 عرض الملف
طهْنون بن زايد آل نهيان، مستشار الأمن القومي الإماراتي، ٢٠١٦ حتى الآن.
يشرف على مسارات الاستثمار الاستراتيجي وتقنيات الأمن التي استمرت في ربط الكيانات الإماراتية بشركات إسرائيلية بعد تشرين الأوّل/أكتوبر ٢٠٢٣.
المملكة العربية السعودية
محمد بن سلمان آل سعود، ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء في السعودية، ٢٠١٧ حتى الآن.
المعاونة والتحريض بموجب المادة ٢٥(٣)(c)، والإسهام بموجب المادة ٢٥(٣)(d). يعتمد تحليل الآثار على الإسهام الجوهري في الجرائم المنجزة على الأراضي الفلسطينية. 📁 عرض الملف
فيصل بن فرحان آل سعود، وزير الخارجية السعودي، ٢٠١٩ حتى الآن.
المعاونة والتحريض بموجب المادة ٢٥(٣)(c)، والإسهام بموجب المادة ٢٥(٣)(d). المفاوض الرئيس والمدافع العلني عن إطارٍ أميركي سعودي أبقى مسار التطبيع حيًّا أثناء الأعمال العدائية في غزة.📁 عرض الملف
مصر
عبد الفتّاح السيسي، رئيس جمهورية مصر العربية، 2014 حتى الآن.
المسؤولية القانونية: المعاونة والتحريض بموجب المادة 25(3)(ج) من نظام روما الأساسي؛ والمساهمة بموجب المادة 25(3)(د). يرتكز تحليل الأثر على مساهمة جوهرية عبر أفعال وامتناعات أبقت شروط الحصار بصورة متوقَّعة وكبحت الضغط الإقليمي، بينما كانت الجرائم تُستكمَل في غزّة (مرتكز الاختصاص الإقليمي للمحكمة الجنائية الدولية). 📁 عرض الملف
الأردن
عبد الله الثاني ابن الحسين، ملك المملكة الأردنية الهاشمية، 1999 حتى الآن.
المسؤولية القانونية: المعاونة والتحريض بموجب المادة 25(3)(ج)؛ والمساهمة بموجب المادة 25(3)(د). يرتكز تحليل الأثر على تنسيق أمني مضبوط، واحتواء الاحتجاجات، و”إخراج بصري” لإسقاطات جوية إنسانية، واستمرارية الترابطات الطاقية الحرِجة — وكلّها عوامل عزلت الدولة المُرتكِبة فيما كانت الجرائم تُستكمَل في غزّة (مرتكز الاختصاص الإقليمي للمحكمة الجنائية الدولية). 📁 عرض الملف
هذا النمط تَوثيقي لا نظري. من COP28 المُبرمَج في دبي، إلى الحدود المُحكَمة في القاهرة، والشوارع المُطوَّقة في عمّان — كل قرار كان منسّقًا وخفّض كلفة استمرار الإبادة في غزّة. هذه خيارات سياسية بعد تثبيت محكمة العدل الدولية لمخاطر الإبادة، ومع كامل العلم بحجم الرهانات. ووفق المادتين 25(3)(ج) و25(3)(د) من نظام روما، فإن المساعدة العملية، والضمان السياسي، والقمع المنسق التي يكون لها أثر جوهري على ارتكاب الجرائم تُسند كمسؤولية تبعية، بغضّ النظر عن مكان نشأة المساعدة، ما دامت الجرائم اكتملت على إقليم دولة فلسطين (المادة 12(2)(أ)). إن منصّة قبيلة أبيمالك تُسمّي هذه الأفعال بما هي عليه: سياسات دولة منسَّقة عزلت حملة إبادة جماعية وجرّمت المجتمعات التي حاولت إيقافها.
ب. محمود عباس والجهازُ المرتزِقُ المسلّح الأجنبي الذي يُخضِعُ شعبَنا
المساعداتُ الميزانيّة الأميركية والأوروبية لمؤسسات السلطة الفلسطينية موثّقة في تقارير رسمية. خلال حملة غزة نفّذت قوّاتُ عباس اعتقالاتٍ وإجراءاتِ ضبطِ حشودٍ ضيّقت الحيّز المدني. نرى أن هذا البناء المعتمد على المانحين ولّد آثارًا متوقّعةً وجوهريّةً تُراكِم إلى خيانةٍ من جانب عباس وعائلته ودائرته المقرّبة.
سلوكُ السلطة الفلسطينية منذ تشرين الأوّل/أكتوبر ٢٠٢٣ يستوجب تدقيقًا فرديًّا بموجب القانون الجنائي الدولي. تمارسُ قيادةُ السلطة سيطرةً فعّالةً على أجهزة أمنية استخدمت الذخيرة الحية ضدّ المتظاهرين، وحافظت على التنسيق الأمني مع القوات الإسرائيلية وعمّقته أثناء المجازر بحق قبائلنا الأصيلة، ونفّذت حملات اعتقالٍ ضيّقت الحيّز المدني وأعاقت التوثيق. هذه الأفعالُ والامتناعات سهّلت على نحوٍ متوقّعٍ وجوهري ارتكاب الجرائم على الأراضي الفلسطينية، ما يفعّل المسؤولية عن المعاونة والتحريض بموجب المادة ٢٥(٣)(c)، والإسهام في جريمة جماعية بموجب المادة ٢٥(٣)(d)، والمسؤولية القيادية بموجب المادة ٢٨ حين يعلم الرؤساء أو كان ينبغي أن يعلموا وامتنعوا عن المنع أو المعاقبة.
لقد تصرّف محمود عباس فعليًّا كمنفّذٍ للوضع الاستعماري القائم، فقمع المقاومة الشعبية في "الضفة الغربية" وأسكت المعارضة خلال إبادة غزة. حين خرج شعبُنا إلى الشوارع في تشرين الأوّل/أكتوبر ٢٠٢٣ احتجاجًا على المذبحة في غزة، هاجمت قوّات عباس بعنفٍ صادم، بما في ذلك إطلاقُ النار الحيّ الذي قتل فتاةً في الثانية عشرة من عمرها وصحافيًّا وتسعةَ أشخاصٍ آخرين في جنين وحدها. واعتدت ميليشيا عباس المدرّبة أوروبيًّا وبواسطة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية على المتظاهرين في مدنٍ متعددة بالغازات المسيلة للدموع والقنابل الصوتية والرصاص، ما أسفر عن جرحٍ وقتلِ العشرات، في محاولةٍ لخنق أي احتجاجٍ على الإبادة. وفي الشارع، نعت الفلسطينيون عباس وأربعينه من اللصوص بأنهم "متعهدون من الباطن للاحتلال الإسرائيلي". بدلًا من حماية الشعب الذي تزعم هذه العائلةُ الوصايةَ عليه من القصف الإسرائيلي واعتداءات المستوطنين، وجّه عباس وأبناؤه بنادقَ السلطة نحو أهلها، في حقيقة الأمر لحماية المحتل من غضب المقهورين.
ومنذ ذلك الحين ظهرت أدلةٌ على تنسيقٍ رفيع المستوى بين عباس ونتنياهو وترامب للقضاء على المقاومة الفلسطينية للاحتلال العسكري الإجرامي. في أواخر ٢٠٢٤ أمر عباس ميليشياته بشن حملةٍ واسعة ضد اللاجئين الفلسطينيين في جنين ونابلس لمجرّد إثبات فائدته لإسرائيل والولايات المتحدة. وبحسب ملاحظات مراقبين، تبدو أفعال عباس ضد الفلسطينيين خطوةً استراتيجيةً لنيل رضا المتهمين بارتكاب الإبادة، أي الولايات المتحدة وإسرائيل، طمعًا في تمكينه من اغتصاب شعبنا في غزة بعد الحرب، كما فعل في "الضفة الغربية" طيلة العقدين الماضيين. بعبارة أخرى، سعى عباس إلى تأمين إقطاعية عائلته عبر العمل كمرتزقٍ لقوى أجنبية، يسحق الشعب الفلسطيني، على أمل أن يُكافَأ هو ودائرته ذات القيادة الكردية الفلسطينية الأقلّيّة بسلطةٍ على غزة. وقد حملت هذه الحملة اسمًا فاضح الدلالة هو "عملية حماية الوطن"، وجرت بتنسيقٍ وثيقٍ مع القوات الإسرائيلية وتحت إشرافٍ مباشر من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية. التقى مسؤولون عسكريون أميركيون، بمن فيهم منسّق الأمن الجنرال فنزل، بميليشيات عباس لتوجيه العملية. إن كلمة "خيانة" تكاد لا تفي بوصف فداحة هذه الجريمة الداخلية التي نفّذتها عائلة عباس ومقرّبوها.
وبإلحاحٍ من واشنطن، وافقت إسرائيل حتى على تسليماتٍ عاجلة من ذخائر وتجهيزاتٍ أميركية الصنع، من عرباتٍ مدرّعةٍ وغيرِها، لتعزيز عباس في جنين. لقد صار رأسَ الحربة لجهدٍ أميركي إسرائيلي مشترك لقمع أي معارضةٍ في "الضفة الغربية" للإبادة المفروضة على عائلاتهم في غزة. وقد أقرّ مسؤولوه علنًا بدوافعهم، وهي إظهار قدرتهم لإسرائيل والولايات المتحدة على "استعادة النظام" ومن ثم استحقاق دورٍ في ترتيبات ما بعد الحرب. وهكذا تجاوز التنسيق الأمنيّ الطويل الأمد مع إسرائيل حدودَ التواطؤ الصريح، إذ تداهم ميليشياه المخيمات نيابةً عن إسرائيل عندما تعجزُ القواتُ الإسرائيلية عن ذلك بسهولة.
ويتجاوز هذا الغدرُ جماعاتِ المعارضة إلى كل من يرفع صوته ضد الإبادة أو يعارض حكم هذه العائلة. فباستخباراته المزوّدة أميركيًّا اعتقل ناشطين، وقيّد الإعلام، وفرض رقابةً على النقد لجرائمه ضد شعبنا. والنتيجة قيادةٌ أقلّيّة في رام الله صرفت اللومَ عن إسرائيل، ورسّخت روايةَ أن مقاومة الاحتلال العسكري "إرهاب"، وسعت إلى خنق التعبئة الشعبية. وبسجن المحتجّين على مذابح غزة ساعد نظامُ عباس إسرائيل فعليًّا في احتواء تبعات فظائعها. والتكلفةُ الإنسانية لهذا التواطؤ بيّنةٌ في غضب شعبنا. هتافات "عباس ارحل" دوّت في تظاهرات "الضفة الغربية". وبعد أن فقد كل شرعيّة، يعيش عباس وعائلته اليوم كميليشيا وكيلة خلف الجدران، أداةً توظّفها إسرائيل وحلفاؤها لتفتيت قضيتنا الوطنية وخنق مقاومتنا الجماعية للاضطهاد والاحتلال العسكري.
المسؤولون المسمّون، الدور، والنطاق الزمني
يبين التحليل أدناه المسؤولية بحسب الدور والنطاق الزمني، ويذكر الأفعال المحددة، ويربط تلك الأفعال بأثرها على الجرائم، ويحدّد مؤشرات العلم، ويبيّن الأساس الاختصاصي.
محمود عباس
رئيس السلطة الفلسطينية، ٢٠٠٥ حتى الآن. المعاونة والتحريض بموجب المادة ٢٥(٣)(c) من نظام روما، والإسهام في جريمة جماعية بموجب المادة ٢٥(٣)(d)، ومسؤولية القيادة بموجب المادة ٢٨. الجرائم منجزة على إقليم دولة فلسطين الخاضع لاختصاص المحكمة الجنائية الدولية بموجب المادة ١٢(٢)(a). 📁 عرض الملف
ماجد فرج
مدير جهاز المخابرات العامة في السلطة الفلسطينية، ٢٠٠٩ حتى الآن. المعاونة والتحريض بموجب المادة ٢٥(٣)(c)، والإسهام بموجب المادة ٢٥(٣)(d)، ومسؤولية القيادة بموجب المادة ٢٨. إقليم دولة فلسطين بموجب المادة ١٢(٢)(a). 📁 عرض الملف
حسين الشيخ
أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ووزير الشؤون المدنية في السلطة الفلسطينية، ٢٠٢٢ حتى الآن. المعاونة والتحريض بموجب المادة ٢٥(٣)(c)، والإسهام بموجب المادة ٢٥(٣)(d). إقليم دولة فلسطين بموجب المادة ١٢(٢)(a). حافظ على قنوات التنسيق المدني مع إسرائيل خلال فترة حرب غزة ودافع علنًا عن هذا الموقف، ما أبقى نظم التصاريح وإجراءات منع الاحتكاك التي قوضت أدوات الضغط لكبح العمليات، مع مقابلات لدى رويترز وبيانات صادرة عن منظمة التحرير محفوظة. وقدّم السلطة الفلسطينية علنًا كشريك لترتيبات الحكم بعد الحرب بينما استمر قمع احتجاجات الضفة الغربية، الأمر الذي أشار إلى الاستمرارية لا المشروطية أمام الفاعلين الخارجيين. 📁 عرض الملف
زياد هبّ الريح
وزير الداخلية ورئيس جهاز الأمن الوقائي، ٢٠١٣ حتى الآن. المعاونة والتحريض بموجب المادة ٢٥(٣)(c)، ومسؤولية القيادة بموجب المادة ٢٨. إقليم دولة فلسطين بموجب المادة ١٢(٢)(a). قاد عمليات الأمن الوقائي والشرطة التي فرّقت الاحتجاجات واعتقلت المنظمين في تشرين الأوّل/أكتوبر ٢٠٢٣ وما بعده، ما قمع التجمع والتعبير المناهضين للإبادة. 📁 عرض الملف
محمد مصطفى
رئيس وزراء السلطة الفلسطينية، آذار/مارس ٢٠٢٤ حتى الآن. الإسهام في جريمة جماعية بموجب المادة ٢٥(٣)(d) من خلال خيارات السياسات وتخصيص الموارد، وإمكان المعاونة والتحريض حيثما سهّلت موارد الدولة على نحو جوهري ارتكاب الجرائم. إقليم دولة فلسطين بموجب المادة ١٢(٢)(a). قبل تفويضًا أعطى الأولوية للأمن الداخلي وأطر إعادة الإعمار في الوقت الذي قُمعت فيه الاحتجاجات، وهو اقترانٌ حافظ على القدرة القسرية خلال أعمال العنف في غزة. وأبقى بنية التنسيق الأمني أثناء انتقال الحكومة وفق قراءات المانحين والدبلوماسيين، ما استمر في إزالة قيدٍ محتمل على عمليات إسرائيل. 📁 عرض الملف
السجلّ الموثق منذ تشرين الأوّل/أكتوبر ٢٠٢٣ يُظهر نمطًا من سلوك السلطة الفلسطينية يستوفي العناصر الأساسية للمسؤولية التبعية. استخدمت أجهزة أمن السلطة الذخيرة الحية لتفريق احتجاجات الضفة الغربية، بما في ذلك قتل فتاة في الثانية عشرة من عمرها في جنين، ونفّذت تفريقاتٍ عنيفة في مدن متعددة. وحافظت القيادة على التنسيق الأمني مع القوات الإسرائيلية وكثّفته، بينما سعت إلى دعمٍ أميركي لتوسيع عمليات «فرض النظام» في جنين ونابلس في عام ٢٠٢٤. وبالتوازي، أشرفت السلطة على استمرار تطبيق قانون الجرائم الإلكترونية ضد منتقدين عبر الإنترنت طوال عام ٢٠٢٤ رغم الاعتراضات الداخلية والدولية. هذه التدابير كبحت التعبئة ضد الفظائع الجماعية، وعطّلت شبكات التوثيق والإغاثة، ويسّرت الاعتقالات والمداهمات في مخيمات اللاجئين، ما سهّل مجتمعةً تنفيذ الحملة الأوسع في غزة والضفة الغربية.
وقعت هذه الأفعال والامتناعات بينما كانت التقارير العالمية تجعل حصيلة القتلى المدنيين لا لبس فيها، وبعد أن أصدرت محكمة العدل الدولية تدابير مؤقتة في ٢٦ كانون الثاني/يناير ٢٠٢٤ وجدت فيها خطر إبادةٍ معقولًا في غزة. ومنذ ذلك التاريخ كان كبار المسؤولين على بيّنة من أن خياراتهم سيكون لها أثر متوقع وجوهري على ارتكاب الجرائم الدولية. إن الإخفاق في تعليق التنسيق، وفي حماية المتظاهرين، وفي كبح انتهاكات الوحدات التابعة يفعّل مسؤولية القيادة حين يعلم الرؤساء أو كان ينبغي أن يعلموا وامتنعوا عن المنع أو المعاقبة.
استنادًا إلى هذا السجل، تُعدّ أنماط المسؤولية الملائمة هي المعاونة والتحريض بموجب المادة ٢٥(٣)(c) لتقديم المساعدة العملية مع العلم بالنتائج، والإسهام في جريمة جماعية بموجب المادة ٢٥(٣)(d) للسلوك الذي كان له أثرٌ جوهري على ارتكاب الجرائم، ومسؤولية القيادة بموجب المادة ٢٨ للرؤساء الذين مكّنت امتناعاتهم من استمرار الانتهاكات. دولة فلسطين طرفٌ في نظام روما الأساسي، وقد وقعت الأفعال والأضرار الناتجة على الإقليم الفلسطيني، ما يفعّل اختصاص المحكمة الجنائية الدولية بموجب المادة ١٢(٢)(a). وبناءً عليه سيُنقل هذا القسم ضمن مخاطباتنا بموجب المادة ١٥، مع تسمية المسؤولين بحسب الدور والنطاق الزمني لمكتب المدعي العام للتحقيق.
ج. التمكين المنسّق للفظائع الجارية من قبل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة
خارج الإقليم، انتهجت حكوماتٌ نافذة ومسؤولون فوق وطنيين سياساتٍ متوازية تحمي إسرائيل دبلوماسيًا، وتُبقي قدراتها المادية، وتضيّق مساحة المساءلة العامة. يتكرّر هذا النمط عبر العواصم. تصرّف المسؤولون بعد ٢٦ كانون الثاني/يناير ٢٠٢٤ حين وجدت محكمة العدل الدولية خطر إبادةٍ معقولًا وأمرت بتدابير مؤقتة، وقد فعلوا ذلك مع العلم المتزامن بالأذى الواسع للمدنيين. قانونيًا، يندرج هذا السلوك ضمن المعاونة والتحريض بموجب المادة ٢٥ الفقرة ٣ البند (ج) من نظام روما الأساسي، ولدى بعض المسؤولين ضمن الإسهام في خطةٍ مشتركة بموجب المادة ٢٥ الفقرة ٣ البند (د)، مع قيام مسؤولية الدولة عن المعونة أو المساعدة بموجب المواد ١٦ إلى ١٨ من مواد لجنة القانون الدولي بشأن مسؤولية الدول كإطارٍ قانونيٍّ عام موازٍ. ويقوم الاختصاص الإقليمي للمحكمة الجنائية الدولية لأن الجرائم وقعت في فلسطين بينما كان للدعم الموفَّر في الخارج أثرٌ جوهريٌّ على الجرائم المُنجَزة في إقليم دولةٍ طرف.
في المقدمة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فقد نسّقا استراتيجياتٍ سياسيةً وإعلامية لتشتيت الانتباه عن الإبادة وتقويض شعبنا الفلسطيني. دبلوماسيًا، حمت الولايات المتحدة إسرائيل في كل محطة، مستخدمةً الفيتو في مجلس الأمن لعرقلة قرارات وقف إطلاق النار وضمان عدم حدوث تدخّل دولي يوقف الإبادة. كما اصطفّت الحكومات الأوروبية في معظمها، تكتفي بدعواتٍ فاترة إلى «حماية المدنيين» بينما تواصل بيع السلاح وتقديم العون العسكري لإسرائيل. كلّ من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة كان فاعلًا في الفوضى، إذ أرسلت الولايات المتحدة مرتزقة لخلق الاضطراب على الأرض، فيما كانت المملكة المتحدة تحلّق يوميًا لجمع المعلومات لصالح مهام الاستهداف الإسرائيلية. وسند الغطاء السياسي حملةٌ للسيطرة على السردية وقمع التعبير المناهض للإبادة حول العالم.
في الفضاء الإعلامي الغربي، وخصوصًا في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا من دون انحصار، تبنّت وسائل الإعلام السائدة خطابَ الجهة القامعة بما طبع المجازر والإبادة بحق عائلتنا الفلسطينية بطابع «التطبيع» عبر تغطيةٍ متحيّزة. كشفت دراساتٌ لوسائل الإعلام الأميركية اختلالًا واضحًا، إذ ذُكرت «إسرائيل/إسرائيلي» أكثر بكثير من «فلسطيني»، وفي حالات كثيرة جرى استبدال كلمة «فلسطيني» بلفظة «إرهابيون». واستُخدمت مفردات «مجزرة» أو «ذبح» غالبًا لضحايا إسرائيليين فحسب، رغم أن الفلسطينيين لم يرتكبوا مجزرة واحدة ولا يمتلكون القدرة أو الرغبة على تنفيذ أفعالٍ كهذه. جرى التقليل من شأن وفيات الفلسطينيين، بما في ذلك آلاف الأطفال، أو وُصفت بتعابير مموِّهة مثل «اشتباكات معقّدة»، رغم أن الهجمات كانت في معظمها جوية وأن أغلبية ضحايانا قضوا في منازلهم.
وفي الوقت نفسه، منحت الشبكات التلفزيونية الأميركية مساحةً واسعة لمسؤولي ومتحدثي الحكومة الإسرائيلية، فيما أُسكت الصوت الفلسطيني. جرى تصوير الأطفال على أنهم بالغون، والفتيات الصغيرات نساءً، والغلمان رجالًا. في الشهر الأول من الحرب وحده، أُجري مع المتحدث العسكري الإسرائيلي ٤٤ مقابلة على قنوات CNN وFox وMSNBC. وتصدّر مسؤولو الحكومة الأميركية، مثل وزير الخارجية ومتحدثي البيت الأبيض، البرامج الحوارية، بما عزز سرديةً مؤيدةً للإبادة. كما استُضيف سياسيون أميركيون مثل نيكي هايلي وليندسي غراهام يحثّون إسرائيل على «إنهائهم»، بل ويُلمّحون إلى إمكان تبرير قصفٍ نووي للفلسطينيين. هذا الانحياز الإعلامي المتضافر، المتأثر بالضغط السياسي، حوّل الصحافة الغربية إلى غرفةِ صدى لدعاية الإبادة، فأخفت عن الجمهور حقيقة حجم الدمار في غزّة.
وفي الوقت عينه، اتخذت دولٌ ذات أكثريةٍ مسيحية مثل أستراليا ونيوزيلندا وكندا، ودولٌ إسلامية ضمن مجلس التعاون الخليجي، وكذلك المغرب والأردن ومصر، خطواتٍ لتجريم وقمع التعبير المناهض للإبادة بذريعة مكافحة التطرّف. في أوروبا، ضربت فرنسا مثالًا مقلقًا حين حظرت جميع التظاهرات المناهضة للإبادة في تشرين الأوّل/أكتوبر ٢٠٢٣. أعلن وزيرُ داخليتها أن تلك الاحتجاجات تهديدٌ للنظام العام، وفضّت الشرطةُ مسيراتٍ سلمية بالغاز وخراطيم المياه. صار مجرّد التلويح بعلم فلسطين أو الهتاف ضد إسرائيل سببًا للاعتقال في باريس. اتخذت ألمانيا والمملكة المتحدة مواقف متشدّدة مماثلة، إذ راقبتا النشطاء وحظرتا في بعض الحالات إظهار العلم الفلسطيني علنًا.
إن مساواة التضامن المناهض للإبادة بـ«الإرهاب» أو «معاداة الساميّة» تبدو خطوةً استراتيجية من حلفاء إسرائيل لإخافة الناس من الإبلاغ عن فظائع الحركة الصهيونية ودولة إسرائيل وملاحقتها قضائيًا. تُعدّ «جرائم الفظائع» أسوأ الجرائم ضد الإنسانية، وتشمل جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وفق القانون الدولي.
وعبر الأطلسي، شهدت الولايات المتحدة موجة ترهيب ضد نشطاء فلسطين، من كبتٍ جامعي إلى مضايقاتٍ من مكتب التحقيقات الفدرالي، لتكميم الأصوات التي تتحدث عن إبادة غزّة. عمليًا، صيغ مناخُ خوفٍ عابرٍ للقارات لدفع شعبنا الفلسطيني خارج دائرة الخطاب المقبول.
ولعلّ أخبثَ أشكال التدخل الخارجي كان في المجال الرقمي. منصّات التواصل وشركات التقنية، وكثيرٌ منها تحت ضغط مسؤولين غربيين وإسرائيليين، انخرطت في رقابةٍ منهجية على المحتوى الفلسطيني. وثّق النشطاء ومجموعات الحقوق الرقمية أنه خلال حرب غزّة جرى إخفاء المنشورات عن معاناة الفلسطينيين أو حذفها خوارزميًا على منصّاتٍ أميركية الملكية مثل فيسبوك وإنستغرام ويوتيوب وتويتر (X) وتيك توك. وجد صحفيون فلسطينيون حساباتهم معلّقة بعد نشر لقطاتٍ عن ضرباتٍ إسرائيلية، وحتى الوسوم مثل #GazaGenocide تعرّضت للتقييد دوريًا. وُصفت هذه «الرقابة الرقمية» بأنها شكل من «الفصل العنصري الرقمي»، فأغلقت واحدًا من المسارات القليلة المتاحة للفلسطينيين لسرد قصتهم. في وقائع سابقة، أقرت فيسبوك بخفض الوصول إلى محتوى بعد شكاوى من الحكومة الإسرائيلية، وانتقد مجلس الإشراف التابع لميتا حذف منشوراتٍ عن الأقصى بلا مبرر. وخلال حرب ٢٠٢٣ تفاقمت هذه الممارسات على نحوٍ خفي. ومع غياب قول الحقيقة في الإعلام السائد، زاد إسكات وسائل التواصل من حجب المعلومات عن إبادة غزّة.
والأهم أن إسرائيل نفسها، وبدعمٍ خارجي ضمني، هندست عمدًا تعتيماً إعلاميًا في غزّة. منذ اليوم الأول للحرب، استهدفت القواتُ الإسرائيلية تدفق المعلومات هدفًا استراتيجيًا. قصفت مكاتب إعلامٍ فلسطينية، وقتلت وأصابت عشرات الصحفيين المحليين، وقطعت الكهرباء والإنترنت في القطاع، ومنعت دخول المراسلين الأجانب. خلال عامٍ واحد قُتل أكثر من ١٣٠ صحفيًا فلسطينيًا أثناء التغطية، واغتيل ما لا يقل عن ٣٢ منهم أثناء أداء عملهم. دُمّرت مرافقُ الصحافة منهجيًا وعُطّلت شبكاتُ الاتصالات مرارًا، ضمن حملةٍ منظّمة «لخنق الصحافة» ومنع العالم من رؤية الواقع في غزّة. أما القلّة من الصحفيين الدوليين الذين سُمح لهم بالدخول فكانوا تحت مرافقةٍ عسكرية إسرائيلية لصيقة، مع تقييد الحركة والتحرير. كما لاحظت «مراسلون بلا حدود»، فعلت القوات الإسرائيلية «كل ما بوسعها لمنع التغطية» لما يحدث في غزّة، بالتوازي مع تصعيد الفظائع. هذا التعتيم ما كان ليُفلح لولا التواطؤ الخارجي، إذ تجاهلت الحكومات الغربية في معظمها استهداف إسرائيل للصحافة. خفُت السخطُ الدولي؛ وبدلًا من فرض عقوبات على إسرائيل، واصلت الولايات المتحدة وغيرها تبرير أفعالها بذريعة «الأمن». والنتيجة إفلاتٌ من العقاب، فبعد عامٍ كامل لم يُحاسَب مسؤولٌ إسرائيلي واحد على استهداف الصحفيين، رغم شكاوى رفعتها منظمات حرية الصحافة إلى المحكمة الجنائية الدولية. هذا الصمت من الدول النافذة يرقى إلى دعم حرب المعلومات الإسرائيلية، ما أتاح للإبادة أن تتواصل في الظلام.
إن الأدلة قاطعة على أن ائتلافًا من فاعلين إقليميين وعالميين نسّق، عبر سياساتٍ علنيةٍ وتأثيراتٍ خفيّة، لقمع شعبنا أثناء الإبادة. طبعنت دولُ الخليج الردود وخفّفتها، وراقب عباسُ عائلاتِ شعبنا الأصيلة وقمعها، وفرضت القوى الغربية رقابةً على الاحتجاج وأغرقت الإعلام بالدعاية. كلّ طرف، وفق مصلحته، ساعد على حرف الأنظار وتبديد الغضب وإنكار العدالة لعائلاتنا الفلسطينية في لحظة أقصى المعاناة. هذا القمع المنسّق ليس فرضيةً بل سجلٌّ موثّق بالاعتقالات العلنية، وتسريبات الكواليس في القمم، وتحليلات محتوى إعلامي، ودماء الصحفيين والمتظاهرين. وفهمُ شبكة التواطؤ هذه أمرٌ حاسمٌ لنا، في منصّة قبيلة أَبِيمِيليْك، ونحن نعبّئ استجابتنا. إنّه يكشف لماذا أخفق العالم في وقف إبادةٍ تجري في الزمن الحقيقي، ومن الذي ينبغي أن يُحاسَب.
المسؤولون المسمّون، الدور، والنطاق الزمني
الولايات المتحدة
في ظل الرئيس جوزيف آر. بايدن الابن خلال عامي ٢٠٢٣ و٢٠٢٤، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض في مجلس الأمن مرارًا ضد مشاريع قراراتٍ دعت إلى وقف إطلاق النار، ولا سيما في ٨ كانون الأول/ديسمبر ٢٠٢٣ و٢٠ شباط/فبراير ٢٠٢٤. لقد عطّلت هذه الفيتوهات تدابيرَ مُلزِمة كان يمكن أن تُقيِّد العمليات وتحمي المدنيين. وفي الفترة نفسها عجّلت واشنطن بعمليات نقل الذخائر وموادّ الدفاع الجوي، بما في ذلك إجراءاتٌ طارئة لتجاوز المراجعة المعتادة في الكونغرس في كانون الأول/ديسمبر ٢٠٢٣. بعد أيار/مايو ٢٠٢٤ أوقفت الإدارةُ مؤقتًا فئةً ضيقة فقط من القنابل زنة ٢٬٠٠٠ رطل المرتبطة برفح، ثم استؤنفت التدفقات الأخرى. اتُّخذت هذه القرارات بعد أمر محكمة العدل الدولية وبعد تحذيراتٍ رسمية من خبراء الأمم المتحدة من أنّ عمليات النقل تُعرّض لخطر تسهيل انتهاكات جسيمة. كان أثر هذه الأفعال الإبقاء على الوتيرة العملياتية وتقويض القوة الدولية الرامية إلى فرض القيود. في عام ٢٠٢٥ أكّد الرئيس دونالد ج. ترامب ووزير الخارجية ماركو روبيو علنًا الالتزامَ بتسريع التسليمات واستمرار الدعم، بما يعزّز الأثر التمكيني نفسه.
جوزيف آر. بايدن الابن، الرئيس، ٢٠٢١–٢٠٢٥
استخدم الفيتو الأميركي ضد قرارات وقف إطلاق النار الخاصة بغزّة في ٨ كانون الأول/ديسمبر ٢٠٢٣ و٢٠ شباط/فبراير ٢٠٢٤، وأوقف فقط بعض قنابل ٢٬٠٠٠ رطل في أيار/مايو ٢٠٢٤ بينما استمرت عمليات النقل الأوسع.
دونالد ج. ترامب، الرئيس، ٢٠٢٥ حتى الآن
استأنفت الإدارة شحناتٍ ثقيلة من القنابل، بما فيها ذخائر ٢٬٠٠٠ رطل، في حزيران/يونيو ٢٠٢٥ بعد الوقف السابق.
ماركو روبيو، وزير الخارجية، ٢٠٢٥ حتى الآن
ثُبّت وزيرًا للخارجية في كانون الثاني/يناير ٢٠٢٥ ودافع عن موقف الإدارة الداعم، بما في ذلك في الأمم المتحدة، مع التشديد على الوصول الإنساني.
أنتوني ج. بلينكن، وزير الخارجية، ٢٠٢١–٢٠٢٥
أيّد «وقفاتٍ إنسانية» بدل وقفٍ مُلزِم لإطلاق النار ودافع عن فيتوهات الولايات المتحدة في الجولات الأولى بالأمم المتحدة.
لويد أوستن، وزير الدفاع، ٢٠٢١–٢٠٢٥
أشرف على خط أنابيب الأسلحة الأميركية وأعلن الوقف الضيق في أيار/مايو ٢٠٢٤ لبعض القنابل المرتبطة بعمليات رفح.
المملكة المتحدة
قدّمت المملكة المتحدة استطلاعًا جوّيًا آنِيًا فوق غزة بدءًا من كانون الأول/ديسمبر ٢٠٢٣، عبر طلعات مراقبة لسلاح الجو الملكي انطلقت من قبرص. وذكرت لندن أن الطلعات لدعم تحديد مواقع الرهائن، كما قال مسؤولون بريطانيون إن معلوماتٍ استخبارية منزوعة الهوية جرى تقاسمها مع إسرائيل عند الحاجة. وفي ٢ أيلول/سبتمبر ٢٠٢٤ علّقت المملكة المتحدة بعض تراخيص تصدير السلاح إلى إسرائيل بدعوى المخاطر القانونية، مع الإبقاء على تراخيصٍ أخرى والتعاون الأمني. كان الأثرُ الإجمالي تقديم دعمٍ استخباريٍّ عملياتي في المرحلة الأولى، وتجنّبَ فرض حظرٍ كامل لاحقًا، ما حافظ على القدرة والتغطية السياسية خلال معظم فترة الأعمال العدائية.
ريشي سوناك، رئيس الوزراء، تشرين الأوّل/أكتوبر ٢٠٢٢–تموز/يوليو ٢٠٢٤
أقرّ طلعات مراقبة لسلاح الجو الملكي فوق أجواء غزة اعتبارًا من كانون الأول/ديسمبر ٢٠٢٣ لدعم جهود تحديد الرهائن، وأبقى سياسة التراخيص قيد المراجعة.
كير ستارمر، رئيس الوزراء، تموز/يوليو ٢٠٢٤ حتى الآن
علّقت الحكومة نحو ٣٠ ترخيصًا مرتبطًا بإسرائيل في أيلول/سبتمبر ٢٠٢٤ لكنها أبقت استثناء قطع «إف-٣٥»، وهو موقف خضع لاختبارٍ أمام المحكمة العليا في ٢٠٢٥.
ديفيد كاميرون، وزير الخارجية، تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠٢٣–تموز/يوليو ٢٠٢٤
دفع بخطّ «وقفات إنسانية» وأبقى نهجَ تراخيص المملكة المتحدة ريثما يردّ الرأي القانوني خلال ولايته.
ديفيد لامي، وزير الخارجية، تموز/يوليو ٢٠٢٤ حتى الآن
أعلن تعليق نحو ٣٠ ترخيصًا في ٢ أيلول/سبتمبر ٢٠٢٤ لأسباب قانونية، موصِّفًا الخطوة بأنها قانونية لا سياسية.
غرانت شابس، وزير الدفاع البريطاني، آب/أغسطس ٢٠٢٣–تموز/يوليو ٢٠٢٤
خوّل طلعات مراقبة لسلاح الجو الملكي فوق غزة وشرق المتوسط منذ كانون الأول/ديسمبر ٢٠٢٣، وقد أفضت إلى معلوماتٍ تشاركها إسرائيل بذريعة إنقاذ الرهائن، ما حافظ على القدرة العملياتية رغم توثيق واسع للأذى المدني.
جون هيلي، وزير الدفاع البريطاني، تموز/يوليو ٢٠٢٤ حتى الآن
أنهى برنامج الطلعات الاستطلاعية قرابة أيلول/سبتمبر ٢٠٢٥ بعد نحو ٥٠٠ طلعة، بما يدل على استمرار المعرفة الوزارية بنطاق البرنامج وآثاره خلال فترة الحرب.
ألمانيا
اتخذت القيادة السياسية في ألمانيا موقفَ دعمٍ مبكرٍ للاستمرار، مع تفويض كميات كبيرة من صادرات الدفاع. زار وزيرُ الدفاع بوريس بيستريوس والمستشار أولاف شولتس إسرائيل في تشرين الأوّل/أكتوبر ٢٠٢٣ لتأكيد الدعم العسكري-السياسي. وفي ٢٠٢٣ أقرت ألمانيا زيادةً حادّة في تراخيص تصدير السلاح إلى إسرائيل. لاحقًا واجهت برلين دعاوى قضائية بشأن قانونية الصادرات وضغوطًا عامة، وبحلول آب/أغسطس ٢٠٢٥ اتجهت إلى وقف التراخيص الجديدة وسط انقساماتٍ داخل الائتلاف وقرب تغيير المستشار. طوال عام ٢٠٢٤ ومعظم ٢٠٢٥، حافظت الممارسةُ التصديرية والمواقفُ العلنية على القدرة العسكرية لإسرائيل وقلّلت من مصداقية الدعوات الأوروبية إلى التقييد، حتى مع تصريح مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل علنًا بأن التجويع استُخدم سلاحًا وأن ظروف المجاعة سادت في غزة.
أولاف شولتس، المستشار، كانون الأوّل/ديسمبر ٢٠٢١–آب/أغسطس ٢٠٢٥
أشرف على طفرةٍ في صادرات السلاح الألمانية إلى إسرائيل في ٢٠٢٣ ودافع عن موقف ألمانيا عندما طلبت نيكاراغوا تدابيرَ عاجلة لدى محكمة العدل الدولية في ٢٠٢٤.
فريدريش ميرتس، المستشار، آب/أغسطس ٢٠٢٥ حتى الآن
صرّحت الحكومة الجديدة باستمرار الدعم السياسي لإسرائيل في منتصف آب/أغسطس ٢٠٢٥ ثم أوقفت معظم الصادرات العسكرية لاحقًا في آب/أغسطس ٢٠٢٥ بعد إعادة تقييم قانونية.
فرنسا
أمر وزيرُ الداخلية جيرالد دارمانان بحظرٍ على مستوى البلاد للتظاهرات المؤيدة لفلسطين في تشرين الأوّل/أكتوبر ٢٠٢٣، ما جرّم تعبيرًا سياسيًا جوهريًا في لحظةٍ كان يمكن فيها للتعبئة العامة أن ترفع كلفة استمرار العمليات. انتقد الرئيس إيمانويل ماكرون الظروفَ الإنسانية ودعا بين الحين والآخر إلى وقف إطلاق النار، ومع ذلك أبقت باريس على علاقات الدفاع والاستخبارات الثنائية ولم تفرض حظرًا شاملًا. كان الأثر الفوري لحظر الاحتجاج تبريدَ حرية التجمع وتقليل الضغط العلني من أجل حماية المدنيين داخل عاصمةٍ كبرى للاتحاد الأوروبي، فيما أوحت السياسةُ الوطنية باستمرارية التعاون الأمني.
إيمانويل ماكرون، رئيس فرنسا، ٢٠١٧ حتى الآن
زار تل أبيب في ٢٤ تشرين الأوّل/أكتوبر ٢٠٢٣ وعبّر علنًا عن دعم «الدفاع عن النفس» لإسرائيل مع اقتراح ائتلافٍ ضد حماس، ثم دعا في ١٠ تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠٢٣ إلى وقف إطلاق النار، بما يُظهر علمًا متزامنًا بحجم الأذى المدني وبالأبعاد القانونية.
جيرالد دارمانان، وزير الداخلية، ٢٠١٨ حتى الآن
أمر بحظرٍ وطني على التظاهرات المؤيدة لفلسطين في تشرين الأوّل/أكتوبر ٢٠٢٣ ووجّه تفريق الشرطة بذريعة النظام العام.
الاتحاد الأوروبي
اتخذت رئيسةُ المفوضية أورسولا فون دير لاين موقفًا مؤيّدًا لإسرائيل بصورةٍ بارزة في تشرين الأوّل/أكتوبر ٢٠٢٣، شمل زيارةً رفيعة وتصريحاتٍ انتقدها علنًا عشراتُ موظفي الاتحاد الأوروبي باعتبارها «غير مشروطة». وقد نقل موقفُها غطاءً سياسيًا فيما كانت الدول الأعضاء ما تزال تناقش خطًا مشتركًا لحماية المدنيين. وعلى النقيض، صرّح الممثلُ الأعلى للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل مرارًا بأن التجويع استُخدم سلاح حرب وأن ظروف المجاعة قائمة، وحثّ على استخدام نفوذ الاتحاد. أدّى تباينُ الرسائل إلى تخفيف الضغط، ومنحت زياراتُ التضامن المبكّرة والخطابُ الصادر عن رئاسة المفوضية غطاءً لاستمرار العمليات بينما واصلت أسلحةٌ منشؤها دولٌ أعضاء في الاتحاد الوصولَ إلى إسرائيل.
أورسولا فون دير لاين، رئيسةُ المفوضية الأوروبية، ٢٠١٩ حتى الآن
حلّقت إلى إسرائيل في ١٣ تشرين الأوّل/أكتوبر ٢٠٢٣ وقدّمت رسائل تضامن قوية انتقدتها عدةُ عواصم أوروبية بوصفها غير متوازنة، ما أشار إلى غطاءٍ سياسي مبكّر من رئاسة المفوضية خلال ذروة الأذى المدني.
جوزيب بوريل، الممثل الأعلى للاتحاد للشؤون الخارجية، ٢٠١٩ حتى الآن
حذّر علنًا من استخدام التجويع سلاحًا في الحرب ودفع نحو وقفٍ فوري لإطلاق النار، مُسجّلًا علمَ الاتحاد بمخاطر الفظائع ومُضيّقًا دائرة التوقّع بالنسبة للدول المصدِّرة للسلاح.
مجتمعةً، حافظت هذه الأفعال والامتناعات على القدرة العملياتية، وخفّضت الكلف الدبلوماسية والاقتصادية، وقلّصت الرقابة العامة خلال فترةٍ كان فيها الأذى المدني الواسع في غزة مُبلّغًا عنه على نطاقٍ واسع ومُعتَرَفًا به رسميًا بوصفه «إبادةً محتملة» من محكمة العدل الدولية في ٢٦ كانون الثاني/يناير ٢٠٢٤. والأدق توصيفُ هذا النمط لا كحملةٍ صليبيةٍ معلنة ولا كحربٍ رسميةٍ من قوى خارجية، بل كسياسة تمكينٍ عابرة للحدود تستوفي عناصر المعاونة والتحريض، وفي بعض الحالات الإسهام في جريمةٍ جماعية، لأنها قدّمت مساعدةً عمليةً مع العلم بالنتائج وكان لها أثرٌ جوهري على ارتكاب الجرائم على إقليم دولةٍ طرف. والتناظر في القانون الدولي العام هو مسؤوليةُ الدولة عن المعونة أو المساعدة لفعلٍ غير مشروع دوليًا. هذا التأطير دقيقٌ ومرتكزٌ قانونيًا، وصالحٌ لمخاطبات المادة ١٥ وكذلك لمرافعات مسؤولية الدولة الموازية.
٢. آليات التنسيق العشر التي تُطبِّع إبادة شعبِنا
في ضوء ما سبق، حدّدنا عشر آلياتٍ رئيسة وفاعلين يُرجَّح أنهم يعملون معًا لإدارة التضليل، وفرض الصمت، وتطبيع الإبادة بحقّ شعبنا. تشكّل هذه القنوات المتداخلة عقدةَ تنسيقٍ بين الدول والمؤسسات والشركات ومجموعات المصالح. كشفها هو الخطوة الأولى لتفكيك نفوذها. نقدّم كلّ آلية مع شواهد داعمة:
١. التحالفات الاستخبارية والمواثيق الأمنية
خلف الأبواب المغلقة، تتبادل أجهزةُ الاستخبارات في إسرائيل ودولٍ عربيةٍ حليفة وقوى غربية المعلوماتَ والاستراتيجيات للسيطرة على السرد، تحت لافتة «التعاون الأمني». هذا التنسيقُ المعتم يصوغ الدعاية ويقمع الحقائق المُحرِجة. على سبيل المثال: عقب «اتفاقات إبراهام» شرعت «الموساد» في تعاونٍ أمنيٍّ علني مع نظرائه الخليجيين – زار رئيسُ الموساد الإمارات لصياغة «تعاون في مجالات الأمن» بعد أيام من التطبيع الإماراتي-الإسرائيلي، في خطوةٍ أدانها الفلسطينيون بحق بوصفها خيانة. وبالمثل نسّقت وكالةُ الاستخبارات المركزية (CIA) وأجهزةٌ غربيةٌ أخرى مع حكوماتٍ إقليمية (بما فيها أجهزةُ عباس الأمنية) لوصم المقاومة الفلسطينية بـ«الإرهاب» وقمعها تبعًا لذلك. هذه التحالفاتُ تسهّل ليس فقط تبادل بيانات المراقبة (المستخدمة لاستهداف النشطاء والصحفيين) بل أيضًا توحيد الرسائل، بحيث يتحدّث المسؤولون من واشنطن إلى الرياض بصوتٍ واحد عن «مكافحة الإرهاب» مع محو سياق الاحتلال والإبادة.
٢. وسائل الإعلام الخاضعة للدولة ومنصّات الدعاية
تؤدي قنواتٌ كثيرة في الشرق الأوسط وخارجه دورَ الأبواق لأنظمتها الراعية، فتروّج سردًا يحوّل التعاطف بعيدًا عن الفلسطينيين نحو مصالح الدولة. مثلًا، دأبت «العربية» السعودية و«سكاي نيوز عربية» الإماراتية على ترديد الموقف المؤيّد للتطبيع، مُبالِغةً في سرد «التهديدات» ومُقلِّلةً من معاناة غزة و«الضفة». أثناء حرب ٢٠٢٣ ضخّمت شبكاتٌ عربيةٌ رسمية مبرّراتِ إسرائيل وقدّمت تغطيةً هامشية لضحايا المدنيين الفلسطينيين، عاكسةً انحياز المنابر الغربية. وبرزت أدلّةٌ على تواطؤٍ تحريري في صياغة اللغة: مذكراتٌ داخليةٌ في بعض غرف الأخبار طلبت من العاملين تجنّب كلمة «فلسطين» أو حصر النقاش في «صواريخ» الفلسطينيين البدائية، بما يمحو الهوية الوطنية الفلسطينية من التغطية. هذا التأطيرُ المنهجي يصوّر الإبادة كـ«نزاعٍ معقّد» في أحسن الأحوال، وكردٍّ «مشروعٍ على الإرهاب» في أسوئها، ممهّدًا جمهور الداخل لقبول قمع الفلسطينيين أو دعمه. هكذا تؤدي منصّات الدعاية، سواء كانت مملوكةً للدولة أو للشركات، دورَ آلية تنسيقٍ حاسمة تصنع قبولًا شعبيًا لتطبيع الفظائع.
٣. رقابةُ شركات التقنية الكبرى والمراقبةُ الرقمية
في الفضاء الرقمي، تواطأت منصّات التواصل وشركات التقنية مع دولٍ لقمع المحتوى المؤيّد لفلسطين ورصد النشطاء، بما يعزّز التعتيم المعلوماتي. وبضغطٍ من حكوماتٍ نافذة ولوبيات، حذفت منصّات مثل Facebook وTwitter (X) وYouTube أو حجبت منشوراتٍ توثّق جرائمَ حربٍ إسرائيلية تحت ذرائع فضفاضة كـ«خطاب الكراهية» أو «الإرهاب». وقد لاحظت تحليلات أن «منصّات التواصل شاركت في حجب وإسكات الأصوات الفلسطينية»، مساهمةً في «فصلٍ عنصري رقمي» يمنع الفلسطينيين من سرد قصتهم. وليس هذا عَرَضيًا بل منسَّقًا؛ إذ تشير التقارير إلى أن وحداتٍ سيبرانيةً إسرائيلية ووحداتٍ تابعة لعباس وأجهزةً غربية تُبلّغ عن حساباتٍ لإسقاطها، فيما تُغرِق شبكاتٌ مؤيدةٌ لإسرائيل المنصّاتِ بالمعلومات المضلّلة. وفوق ذلك، بيعَت برمجياتُ تجسّس متقدّمة من شركاتٍ إسرائيلية إلى حكوماتٍ إقليمية (مثل «بيغاسوس» من NSO الذي استُخدم في الإمارات والسعودية وغيرها) ونُشّطت ضد مدافعين فلسطينيين عن حقوق الإنسان وصحفيين. مثلُ هذه التقنيات، بوصفها منتجًا لتحالفاتٍ استخبارية، تُمكّن الأنظمة من استباق التعبئة الرقمية وخنقها. عبر التحكّم بالمحتوى والمستخدمين معًا، تخنق هذه الآلية التنظيمَ القاعديّ وسرد الحقيقة في الميدان الوحيد الذي نجح فيه الفلسطينيون للوصول إلى مجتمعٍ مدني عالمي.
٤. لوبي إسرائيل وشبكات التأثير السياسي
تعمل شبكةٌ عابرة للحدود من منظمات الضغط ومراكز الأبحاث والمتبرعين السياسيين، ممولةٌ بسخاء، على توجيه سياسات الحكومات والرأي العام لمصلحة إسرائيل، حتى لو اقتضى ذلك تبييض الإبادة. في الولايات المتحدة خصوصًا، يمتلك اللوبي المؤيد لإسرائيل نفوذًا مفرطًا على الكونغرس والسلطة التنفيذية. منظمات مثل AIPAC وJINSA، المتحالفة مع تنظيماتٍ من المسيحيين الصهاينة، جعلت الدعمَ غير المشروط لإسرائيل معيارًا حزبيًا مشتركًا. عبر التبرعات والحشد، ضمنت أن ٩٦٪ من المرشحين المدعومين من AIPAC فازوا بمقاعد، وأن أكثر من ٦٠٪ من المشرّعين الأميركيين يتلقون تمويلًا من مقاولين دفاعيين يربحون من المساعدات العسكرية لإسرائيل. ينسّق هذا «القاطِر اللوبي» الرسائل (تصوير أفعال إسرائيل كـ«دفاعٍ عن النفس»)، ويصوغ تشريعاتٍ مؤيّدة، ويضغط كي يلتزم المسؤولون الخطَّ المرسوم. ومثالٌ صارخ على نجاحه: بينما كان العالم يندّد بكارثة غزة الإنسانية، أسرع الكونغرس لإقرار حزم تسليحٍ إضافية لإسرائيل شبهَ بلا نقاش، عاكسًا نقاط الحديث التي عمّمها AIPAC وسواه. في أوروبا، تُبقي لوبياتٌ مماثلة، وإنْ أقلّ تنظيمًا (إلى جانب «سياسات ذنبٍ تاريخي»)، الحكوماتِ مصطفّة. وتنتج مراكز أبحاثٍ ممولةٌ من الشركات تحليلاتٍ تبرّر تكتيكات إسرائيل، ويتكاثر محلّلوها على الشاشات. تتزامن هذه الجهود جميعًا لتحييد دعوات المساءلة، وتأطير أي تحقيقٍ أممي أو من المحكمة الجنائية الدولية كـ«انحياز ضد إسرائيل»، والإبقاء على حصانة دبلوماسيةٍ للإبادة. هكذا ينظّم اللوبي غطاءً سياسيًا يضمن أن الحكومات تُطبّع العلاقات بدلًا من فرض العقوبات.
٥. المجمّعُ الصناعي العسكري وتربّح الشركات
تدفع المصالحُ العسكرية والاقتصادية لدى الدول النافذة باتجاه صمتٍ منسّق. فمصنّعو السلاح ومقاولو الدفاع وسواهم من الشركات يجنون مكاسبَ هائلة من الدعم غير المشروط لحروب إسرائيل الإبادية، ويستخدمون نفوذهم للتأثير على السياسة. ضمن «العلاقة الخاصة» الأميركية-الإسرائيلية، يتدفق سنويًا ٣٫٨ مليار دولار من المساعدات العسكرية الأميركية إلى إسرائيل، يُنفَق ٨٠٪ منها على أسلحةٍ مصنّعة في الولايات المتحدة. ترى عمالقةٌ مثل Lockheed Martin وBoeing وNorthrop Grumman أسهمها تقفز مع كلّ قصفٍ لشعبنا في غزة و«الضفة». تموّل هذه الشركاتُ لوبياتٍ ومراكزَ دراسات لإبقاء المساعدات جارية وتصوير حملات إسرائيل العسكرية كضرورةٍ «مُحِقّة». وتضجّ مجالسُ إدارتها بجنرالاتٍ ومسؤولين سابقين يدورون بين السلطة والقطاع (بابٌ دوّار)، بما يضمن ترجيح أرباح الحرب على حقوق الإنسان في صناعة القرار. علاوةً على ذلك، شملت «اتفاقات إبراهام» صفقاتِ سلاحٍ مربحة لدولٍ خليجية؛ ويُروى أن جماعات اللوبي المؤيدة لإسرائيل سحبت اعتراضاتها على بيع مقاتلات F-35 للإمارات ضمن مقايضة التطبيع. هذا يكشف مصلحةً مشتركة بين الشركات والدول في دمج إسرائيل ضمن إطارٍ أمنيٍّ إقليمي لأغراض الربح. وتؤدّي شركاتُ الطاقة دورًا موازيًا: فدولُ نفطٍ خليجية وشركاتُ نفطٍ غربية تفضّل «استقرارًا» إقليميًا (أي أعمالًا مع إسرائيل والسعودية) على مواقفَ داعمةٍ للفلسطينيين تهزّ السوق. لذا، سواء كان الأمرُ سلاحًا أم نفطًا، يدفع لوبي الشركات نحو «سير الأعمال كالمعتاد» وسط الإبادة، ضاغطًا لإعلاءِ الروابط الاقتصادية على حقوق الإنسان. هذا التقاطع بين الربح والسياسة هو الآلية التي يُجهَض عبرها سريعًا أي نداءٍ للمقاطعة أو الحظر (كما في حظر النفط المقترح في القمّة العربية). جوهرًا، يُطبّع لوبي الشركات الإبادة باعتبارها كلفةً «مقبولة» لممارسة الأعمال في الإقليم.
٦. منتدياتُ الأمن الحكومية الدولية (الناتو وسواه)
على المستوى الجيوسياسي، تتعامل تحالفاتٌ مثل «الناتو» وائتلافاتٌ مُرتجلة مع إسرائيل كعضوٍ بحكم الأمر الواقع، موحِّدة الاستراتيجيات ضد «تهديداتٍ» مشتركة ومُهمِّشة فلسطين. تركّز الحواراتُ الأمنيةُ العليا، غالبًا خلف الأبواب، على توافقٍ مضادٍّ لإيران يجمع الولايات المتحدة وإسرائيل وأنظمةً سنّية، ما يجعل القضية الفلسطينية «إزعاجًا» يجب إدارته لا قضيةً يجب الانتصار لها. تُنتج اتفاقاتُ مشاركة الاستخبارات (مثل شراكة «العيون الخمس» التي تُقال مشاركةُ استخباراتها الإشارية الخام مع إسرائيل في بعض الحالات) ومناوراتٌ عسكريةٌ مشتركة «أخوّةَ» نخبٍ أمنية تتبنّى رؤى بعضها. ولهذا آثارٌ ملموسة: حين تصف الجهاتُ الإسرائيلية مقاومةَ الفلسطينيين بأنها «إرهاب على طريقة داعش»، تُضخّم منتدياتُ الأمن الغربية تلك المقارنة. وفوق ذلك، استثمرت الولايات المتحدة مؤسساتٍ مثل CENTCOM لدمج إسرائيل مع جيوشٍ عربية، فتتشارك السردياتُ والتكتيكات. تصرّفت هذه المنتديات كحَكَمٍ متكاسل في مباراة كرة قدم فوضوية، غاضّةً الطرف فيما تطلق إسرائيل عنان هجوم غزة وتواصل «بوغرومات» في «الضفة». وبدل التدخّل، أُطّرَ الأمر على أنه «تطهيرٌ لفلول إرهابيين»، حتى عندما يتحوّلُ متطرّفٌ يهوديّ إلى مُقتحمٍ منزليٍّ يضرب امرأةً فلسطينيةً مسنّةً على رأسها. والنتيجة موقفٌ منسّق تُسقِط فيه التحالفاتُ الأمنية مجتمعةً ادّعاءاتِ الإبادة (أو تتركها لتحقيقاتٍ «بلا أنياب» لاحقًا) حتى لا يتصدّعَ الائتلاف. خلاصةُ القول: تضمن هذه الآلياتُ الحكومية الدولية جمودًا دبلوماسيًا؛ لا جلسةَ طوارئ للناتو من أجل مدنيّي غزة، ولا تفعيلَ «مسؤولية الحماية»، لأن الأولوية كانت تدعيمَ إسرائيل واحتواءَ ارتدادات الإقليم وفق مصالح التحالف..
٧. الشبكات الدينية والأيديولوجية
تياراتٌ أيديولوجيةٌ نافذة وشبكاتٌ دينيةٌ قوية تُسهم أيضًا في تطبيع قمعنا عبر رسائل منسّقة. من جهة، تَعرِض الحركاتُ الصهيونية المسيحية في الولايات المتحدة وأوروبا، والتي تضمّ ملايين الإنجيليين الأصوليين، دعمًا غير مشروطٍ لإسرائيل باعتباره تكليفًا دينيًا. تضغط هذه الحركاتُ على حكوماتها وتؤثّر في الناخبين، فتوفّر قاعدةً شعبيةً تتماشى مع الأجندة المؤيّدة لإسرائيل بغضّ النظر عن الكلفة على شعبنا وعلى أراضينا الأجدادية التي عشنا عليها لآلاف السنين. كثيرون في هذه الشبكة احتفلوا بإبادة الفلسطينيين باعتبارها «تحقّق نبوءة»، ووزّعوا تضليلًا نشطًا (على سبيل المثال، الادّعاء الكاذب بأنّ الفلسطينيين قطعوا رؤوس ٤٠ رضيعًا) لتبرير أفعال إسرائيل. هذا التحالف الديني-الأيديولوجي منح القادةَ الغربيين غطاءً داخليًا، إذ صارت شريحةٌ كبيرةٌ من الجمهور تؤطّر أيّ نقدٍ لإسرائيل على أنّه مخالفةٌ لإرادة الله. وفي المقابل، داخل العالم الإسلامي، جرى استتباعُ بعضِ السلطات الدينية الخاضعة للدولة للإضرار بشعبنا. فمثلًا، دعا بعضُ الخطباء المُحسوبين على حكوماتٍ في الخليج ومصر والأردن الناسَ إلى تجنّب «الفتنة» وعدمِ التظاهر، في إيحاءٍ للمؤمنين بأنّ طاعة الحكّام مُقدَّمةٌ على الموت والدمار والإهانة التي تُلحق بالفلسطينيين، وكأننا لسنا بشرًا. وقدّم أئمّةُ الدولة في السعودية، على سبيل المثال، أدعيةً خافتةً لفلسطين مع التشديد على «الاستقرار» والتحذير من «الفتنة»، بما يردّد موقف القيادة السياسية. وإضافةً إلى ذلك، تستدعي دولٌ مثل مصر والأردن، بدعمٍ أميركي، فزّاعةَ «التطرّف الإسلامي» لتبرير الانحياز ضدّ الفلسطينيين، فتستخدم الأيديولوجيا لتسويغ التواطؤ في الحصار (إغلاقُ مصر لمعبر رفح، واعتقالاتُ الأردن للنشطاء المناهضين للإبادة، وغيرها). تعمل هذه الشبكاتُ الدينية والأيديولوجية عبر الحدود لصياغة العقول والقلوب، فتصير السيطرةُ على شعبنا مقبولةً أخلاقيًا أو ثقافيًا لدى مجتمعاتٍ كاملة. وبذلك، يُعاد تصويرُ الإبادة والإثنوسايد المستمرّين منذ ٧٧ عامًا على أنّهما معركةٌ ضدّ «كفّار» أو «إرهابيين» بحسب العدسة، فتُستنزَفُ التعاطفاتُ مع ضحايا فلسطين، ويُصوَّر دعمُ فلسطين على أنّه دعمٌ للتطرّف؛ وهي سرديةٌ خبيثة جرى تنسيقُها فعليًا عبر الخُطب والمؤتمرات والإعلام الديني في أنحاء العالم.
يمتدّ هذا التنسيقُ كذلك إلى طريقة توزيع الأخبار نفسها، محليًا عبر احتكارِ عائلةِ عباس للمشهد الإعلامي في الضفّة الغربية، ودوليًا عبر شبكات البثّ العالمية، بما يُشكّل تدفّقها حول العالم.
٨. التجمّعات الإعلامية العالمية وإدارة وكالات الأنباء
يمتدّ التنسيقُ إلى آلية دوران الأخبار نفسها، محليًا عبر احتكارِ عائلةِ عباس للإعلام في الضفّة الغربية، ودوليًا عبر الشبكات الكبرى. قبضةٌ محدودة من وكالات الأنباء العالمية (Reuters وAP وAFP) وشركاتٍ عملاقة (Disney/ABC وComcast/NBC وNews Corp لمالكها مردوخ وغيرها) تهيمن على تدفّق الأخبار الدولي. يضع هؤلاء «حُرّاس البوابة» أدلّةَ أسلوبٍ تُكاد تمحو وجهةَ النظر الفلسطينية وكرامةَ الفلسطينيين. أثناء حرب غزة، عكَسَت أدلّةُ الأسلوب لدى Reuters وAP لغةَ وزارة الخارجية الأميركية: المدافعون الفلسطينيون عن أرضهم في مواجهة محتلٍّ مُجرِم صاروا «إرهابيين»، وبياناتُ وزارة الصحة في غزة صارت «غير مُثبتة»، فيما تُؤخَذ تصريحاتُ إسرائيل كحقائق. ونعلم أنّ رؤساء تحريرٍ في بعض المؤسسات الكبرى تدخّلوا لحذف التعابير المُعبّرة عن الفلسطينيين، بل وفصلوا صحفيين عُدّوا «متعاطفين أكثر مما يجب». هذا النمط الهرميّ في إدارة التحرير ليس عشوائيًا؛ إذ يتأثّر بروابط مالكي الشركات، ومعظمهم أميركيون وأوروبيون، السياسية وبحملاتٍ نشطةٍ للوبيّات. النتيجة موقفٌ تحريريٌّ منسّق عبر عشرات المنابر التي تبدو مستقلّة: The New York Times وBBC وCNN وغيرها بقيت إلى حدٍّ كبير ضمن إطارٍ ضيّقٍ يُعقّم حقيقةَ الإبادة. حتى وكالات الصور تعرّضت لضغطٍ واضح؛ فقلّت صورُ الأطفال الشهداء وكثُرَت صورُ متحدّثين إسرائيليين، في محاولةٍ لتوجيه إدراك الجمهور. بهذه الطريقة، ضمن مُركّبٌ إعلاميٌ منسَّق حالةَ تعتيمٍ فعلي أو تشويهٍ لِما يجري من إبادة، خصوصًا في الشمال العالمي. والأصواتُ القليلة الشجاعة التي شقّت الصفّ، أو المنابرُ الأصغر التي حاولت قول الحقيقة، أُغرِقَت في الجوقة أو حتى قُمِعت (كما حين حظرت إسرائيلُ وعائلةُ عباس قناةَ Al Jazeera وصادرت أجهزةَ AP لوقف البثّ الحيّ من غزة). خلاصةُ الأمر: كارتيلٌ إعلاميٌّ نخبوّي، تقوده الدولةُ والشركات معًا، تحكّم بما يراه العالم، وليس صدفةً، بل بفعلِ عملٍ مُنسَّق.
٩. السردياتُ الدبلوماسية المنسّقة وشللُ الأمم المتحدة
آليةٌ أخرى هي إحداثُ شللٍ مقصودٍ في المؤسسات الدولية والترويجُ لمساراتٍ بلا أنيابٍ لتأجيل الفعل. نسّقت دولٌ أساسيةٌ نقاطَ حديثها في الأمم المتحدة ومجموعة العشرين (مجموعة العشرين G20) وغيرها لمنع أيّ تدخّلٍ ملموسٍ في غزة. عمدت الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا إلى تخفيف حدّة الصياغات منهجيًا، باستخدام لغةٍ شبه متطابقة عن «حقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها» ضدّ شعبٍ بلا دولة وغالبيةٍ من اللاجئين، وعن ضرورة منع «التصعيد الإقليمي»، مع حذف كلمة «وقف إطلاق النار» لأشهُر. وأظهرت تسريباتٌ ضغطَ دبلوماسيين أميركيين على آخرين لمعارضة قراراتٍ تُدين إسرائيل. وفي الأثناء، ضمنت أنظمةٌ عربيةٌ متحالفةٌ مع إسرائيل (لا سيما الإمارات والبحرين ومصر والأردن والسعودية) أن تكتفي الجامعةُ العربيةُ ومنظّمةُ التعاون الإسلامي بإدانةٍ رمزية. وقد رأينا كيف أُديرت قمةُ الرياض العربية-الإسلامية: منحت منصةً للتنفيس الخطابي، لكنها، بفعل «فيتو» كواليسيّ من دول الخليج، انتهت بلا قرارٍ مُلزِمٍ يتجاوز النداءات العامة. بدل اتخاذ إجراءاتٍ لحماية الناس من إرهاب الدولة، مثل العقوبات أو قواتٍ لحفظ السلام، وجّه هؤلاء الدبلوماسيون النقاش نحو «إعادة الإعمار بعد الحرب» وإحياءِ «عملية سلامٍ» مُحتضرة، بما يؤجّل الإلحاح الأخلاقي لما يجري على الأرض. وإضافةً إلى ذلك، دفعت دولٌ نافذةٌ في هذا الائتلاف بسرديةٍ مفادُها أنّ المساءلة ينبغي أن تُؤجَّل إلى ما بعد الحرب، مُفضّلةً «تحقيقاتٍ طويلة الأمد» (يمكن عرقلتها لاحقًا) على التدابير الفورية. عبر الاتفاق على التأجيل والتخفيف، طبّع هؤلاء الفاعلون القتلَ الجاري باعتباره أمرًا يمكن التعاملُ معه في مفاوضاتٍ أو محاكمَ لاحقة. هذا الجمودُ الدبلوماسي المُنسَّق أتاح للإبادة أن تستمر بلا انقطاعٍ تحت قشرةٍ رقيقةٍ من «القلق».
١٠. العملياتُ النفسية وحملاتُ المعلومات المضلّلة
أخيرًا، ثمّة مجالُ «العمليات النفسية»، أي الحملاتُ السرّية أو العلنية لنشر معلوماتٍ كاذبة أو مضلّلة تُبرّر الإبادة أو تُعكّر الحقيقة. محليًا، تتولّى هذا المسعى منظومةُ احتكارِ عائلةِ عباس للإعلام. طوال الإبادة شهدنا سيلًا من الشائعات والسرديات المُلفّقة التي يبدو أنها نُشرت بفعل أطرافٍ مُستفيدة. فمثلًا، في تشرين الأول/أكتوبر ٢٠٢٣ ادّعى مسؤولون إسرائيليون في البداية أنّ مقاومين فلسطينيين قطعوا رؤوس رُضّع، وهي روايةٌ مُروّعةٌ تصدّرت العناوين ثمّ تبيّن لاحقًا أنّها غيرُ مُثبَتة، ومنطلِقةٌ من شهادةِ جنديٍّ إسرائيلي واحد. ومع ذلك انتشرت الدعوى على نطاقٍ واسع، فأذكت غضبًا عامًّا في الغرب ضدّ الفلسطينيين ووفّرت غطاءً لأفعال إسرائيل. وقد واصل كلٌّ من الرئيسين الأميركيين السابق والحالي، جوزيف روبينِت بايدن («Genocide Joe») ودونالد جون ترامب، مع الأوّل الذي أعلن ولاءه للصهيونية وتعريفه لنفسه بأنّه صهيوني، ترويجَ هذه الرواية الكاذبة أمام العالم. تُشير هذه الحوادث إلى جهودِ تضليلٍ مُنظّمة، منسَّقةٍ بين وحدات العلاقات العامة العسكرية الإسرائيلية ومروّجين متحالفين، لهدفِ شيطنة الفلسطينيين. كما دارت صورٌ ومقاطعُ مُفبركة أو منزوعةُ السياق على منصّات التواصل (مثل مقاطع قديمة قُدّمت زورًا على أنّها «تمثيل» للإصابات في غزة) لزرع الشكّ في معاناتنا. وقد تتبّعت تحليلاتٌ كثيرًا من هذه المواد إلى عناقيدٍ مؤيّدةٍ لإسرائيل وحساباتٍ غير أصيلة. وعلى الجانب الآخر، جرى وصمُ الأدلة الأصيلة القادمة من غزة بأنّها «دعايةٌ فلسطينية» عبر شبكةِ ناطقين عالميةٍ لصالح إسرائيل. ورأينا أيضًا حربًا نفسيةً مُباشرة: مُتطرّفون إسرائيليون يرسلون صورًا مُفزعةً لمستخدمي الشبكات من الفلسطينيين، أو رسائل نصيّة في غزة تُهدّدهم بالإخلاء، وكلُّ ذلك بغرض الترهيب والإرباك. إنّ الحجمَ الهائل والتزامنَ الملحوظ لهذه الاندفاعات التضليلية يكشفان تنسيقًا تحتيًا لا مراء فيه. سواءٌ عبر شركاتِ علاقاتٍ عامةٍ مُستأجَرة، أو وحداتِ حربٍ سيبرانية، أو متطوّعين أيديولوجيين، فالنتيجة واحدة: تُحجَب حقيقةُ الإبادة خلف ضبابٍ مُصنَّع من السرديات الكاذبة. وتزرع هذه الآليةُ الشكَّ لدى الجمهور الدولي («ما الحقيقي؟»)، بل وقد تُضعف حركاتَ التضامن (بإجبارها على تفنيد الأكاذيب باستمرار). إنها مُضاعِفُ قوّةٍ لكلّ الآليات السابقة، إذ تعزّز الانحيازَ الإعلامي، وتدويرَ الدبلوماسية، والتدابيرَ القمعية، بما يجعل ترسيخَ الحقائق عالميًا أصعب بكثير.
خلاصةً، تعمل هذه الآلياتُ العشر التي حدّدها المنصّة، والممتدّة عبر الأمن والإعلام والتقنية واللوبيات والأيديولوجيا والدبلوماسية، كنظامٍ مُنسَّقٍ للهيمنة. لم تنشأ تلقائيًا، بل تعكسُ تقاطعَ المصالح لدى من يُفضّلون فلسطينَ صامتةً مُستعبَدة. إنّ التعرّف إلى كلّ جزءٍ في هذه الشبكة يمكّننا من استهدافه في استراتيجيتنا. علينا أن نستعدّ لمواجهة أكاذيب الاستخبارات بقول الحقيقة، وللالتفاف على رقابة وسائل التواصل، ولمجاراة نفوذ اللوبي بالدعوة العامة، ولمواجهة الجمود الدبلوماسي بدبلوماسيةِ الشعوب.
٣. الإطار القانوني والسياسي للمساءلة (المحكمة الجنائية الدولية، المادة ١٥ وما بعدها)
في مواجهة هذه الآلة الهائلة للقمع، نلجأ إلى القانون الدولي وآليات العدالة أسلحةً للحقيقة والمساءلة. تتمحور استراتيجيتنا حول تفعيل المحكمة الجنائية الدولية وغيرها من المسارات القانونية لكشف المسؤولين عن جريمة الإبادة الجماعية والتستّر عليها ومحاكمتهم. تتيح المادة ١٥ من نظام روما الأساسي (المعاهدة المنشئة للمحكمة الجنائية الدولية) مدخلًا أساسيًا للتحرّك، إذ تسمح «لأيّ فرد أو مجموعة أو منظمة» بإحالة معلومات إلى مدّعي المحكمة بشأن جرائم محتملة (انظر: coalitionfortheicc.org). ونحن، بوصفنا منصّةً لقبيلة أَبِيمِيليْك البدوية، حَسَنات أبو مُعيْلِق، يمكننا استخدام هذا النصّ لإيداع مذكّرات مُحكمة التوثيق تحثّ مكتبَ الادّعاء على التحقيق وملاحقة الجرائم المرتكبة ضدّ شعبنا من قِبَل أيّ فاعلين متواطئين في ارتكاب هذه الفظائع أو التستّر عليها.
مسارُ عملنا بموجب المادة ١٥ هو إعداد اتصالاتٍ رسمية إلى مكتب المدّعي العام تتضمّن تفصيلًا لما يلي:
١) جريمةُ الإبادة الجماعية ضدّ شعبنا على الأرض والاضطهادُ في الخارج، بما في ذلك أدلّةُ القصد الإبادِي. يُدمَج في ذلك التوثيقُ الواسع الذي سبق أن جمعته منظماتُ حقوق الإنسان وخبراءُ القانون، مثل الإحالة التي قدّمتها جهاتٌ فلسطينية في تشرين الثاني/نوفمبر ٢٠٢٣ متّهمةً بالإبادة والفصل العنصري. يشمل ذلك تصريحاتٍ لمسؤولين يدعون علنًا إلى محو بلدات، وإلى "no mercy" و"finish them" و"drop a nuclear bomb them"، وهي حقائقٌ رأت حتى محكمةُ العدل الدولية أنّها تُقيم حالةً ظاهرةً للإبادة في فلسطين. ينبغي أن تُبيّن إحالتُكم بوضوح أنّ القتلَ الواسع للمدنيين، وفرضَ ظروفِ حياةٍ مدمّرةٍ بغرض القضاء على مزيدٍ من بلداتنا وقُرانا (الحصار، التجويع)، والتحريضَ العنيف من قادةٍ سياسيين، كلّها تستوفي التعريفَ القانوني للإبادة الجماعية وفق المادة ٦ من نظام روما.
٢) جريمةُ الجرائم ضدّ الإنسانية، بما فيها الاضطهادُ والفصلُ العنصري. تُقدَّم أدلّةُ الهجمات المنهجية على المدنيين، والتهجيرُ القسريّ، والنظامُ العسكريّ والاستيطانيّ المؤسَّس لقمع عائلاتنا، وهو ما اعترفت به منظماتٌ حقوقية كبرى بوصفه فصلًا عنصريًا. ومن المهمّ إبراز كيف عاون فاعلون خارجيون هذه الجرائم أو ساعدوا عليها، مثل شركاتٍ وفّرت ذخائر الفوسفور الأبيض لاستهداف مناطقَ مدنية، أو استخدام Microsoft لتقنياتٍ تُسخّر للتجسّس على عائلاتنا، أو دولٍ قدّمت أسلحةً مع علمها بأنها ستُستخدم على نحوٍ غير مشروع ضدّ مستشفياتٍ ومدارس في غزة والضفّة.
٣) التحريضُ على الإبادة ودعاياتُ الكراهية، مع الاستشهاد بمن صرّح علنًا بأنّ تجويع الفلسطينيين «مُبرَّر وأخلاقي»، وهو «اعترافٌ صريح» بسياسةٍ إباديّة. نُشير إلى أنّ آخرين طالبوا بالفعل بمذكّرات توقيفٍ لمرتكبي جرائم الحرب؛ وعليكم تعزيزُ هذا الطلب بصوت عائلتنا وقبيلتنا، وبوجهٍ خاص ضدّ مَن مكّنوا المجرمين وشرعنوا جريمتهم. وبالمنهج نفسه، يمكن إدراج شخصياتٍ إعلامية أو دينية شجّعت على العنف حيث تتوافر الأدلة، على غرار ملاحقات الإعلام المحرِّض في رواندا.
٤) وبصورةٍ حاسمة، دورُ المسؤولين الحكوميين والمنظمات المتواطئة. مع أنّ ولاية المحكمة تُركّز على الأفراد، يمكن تسميةُ مسؤولين في دولٍ أو كياناتٍ أخرى سهّلوا جرائم الحرب. فمثلًا، يمكن تقديمُ معلومات عن دور مصر في حصار غزة بوصفه إسهامًا في جريمة الاضطهاد، أو عن مسؤولين أميركيين قدّموا أسلحةً مع علمهم بأنها ستُستخدم على نحوٍ غير مشروع ضدّ عائلاتنا في غزة والضفّة، لزجّهم في نطاق المسؤولية. تدرك المنصّة حدودَ الولاية، فعديدُ هؤلاء من دولٍ ليست أطرافًا في نظام روما (كالولايات المتحدة ودولة إسرائيل ومصر والسعودية). غير أنّ وقوع الجرائم على إقليم دولةِ فلسطين، وهي طرفٌ في المحكمة، يتيح من حيث المبدأ ممارسةَ الاختصاص على أيّ فردٍ بغضّ النظر عن جنسيته إذا ارتكب أو أسهم في جرائم على أرضِ قبيلتنا وأجدادنا. وهذه نقطةٌ أساسية؛ إذ يُعاقَب التواطؤ بموجب القانون الجنائي الدولي. ويُستند هنا إلى المادة ٢٥(٣)(ج) من نظام روما، التي تجعل المساعدةَ والتحريضَ والتسهيلَ بمنزلة الاقتراف.
وعليه، تُسمّي اتصالاتُكم بموجب المادة ١٥ وتوثّق أولئك «في ممرّات السلطة» الذين مكّنوا الإبادة، سواء عبر الإمداد المباشر بالقنابل والتكنولوجيا، أو عبر حماية مرتكبيها من المساءلة عمدًا، أو عبر الإسهام المادّي في الدمار والموت. الغايةُ مزدوجة: الضغطُ على مدّعي المحكمة لتوسيع تحقيق فلسطين القائم ليشمل الإبادة الراهنة وكلَّ الأطراف المسؤولة، وبناءُ سجلٍّ قانوني يمكن استخدامُه في منابرَ أخرى أيضًا، مثل قضايا الولاية القضائية العالمية أمام محاكم وطنية وهيئات الأمم المتحدة.
ومن المهمّ إدراك أنّ إحالةً إلى المحكمة بموجب المادة ١٥ ليست إجراءً عديم الجدوى. تاريخيًا، دفعت إحالاتُ المجتمع المدني إلى فحوصٍ أوّلية وإلى تحقيقاتٍ كاملة في حالاتٍ متعدّدة. يمكن لأيّ جهةٍ إرسالُ هذه المعلومات إلى المحكمة، ويجب على المدّعي أخذُها في الحُسبان. وقد أحالت مؤخرًا ٦ دولٍ أطراف، تتقدّمها جنوب أفريقيا، وضعَ فلسطين إلى المحكمة، بما زاد الضغط على المدّعي العام. وفي كانون الأوّل/ديسمبر ٢٠٢٣ وكانون الثاني/يناير ٢٠٢٤ قدّمت جهاتٌ قانونية، منها Law for Palestine، ملفاتٍ وافية تصف أفعالَ إسرائيل في غزة بأنّها إبادة. عليكم مواءمةُ جهدنا مع تلك الإحالات وتعزيزه بشهاداتنا التاريخية والعائلية الخاصة بالقبيلة. كلُّ إحالةٍ نُقدّمها تُصبح جزءًا من رصيد الأدلة الذي تُراجعه المحكمة. وحتى إن أخّرت العوائقُ السياسيةُ مسارَ العدالة، فإنّ هذه الإحالات تُرسل إشارةً واضحة أنّ العالم يراقب، وأنّنا نحشد القانون في مواجهة الأكاذيب.
ما بعد المحكمة الجنائية الدولية: يجب أن يستخدم إطارُكم كلَّ المسارات القانونية المتاحة
آليات الأمم المتحدة
دعم وتزويد لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة بشأن فلسطين (المُنشأة بقرار من مجلس حقوق الإنسان) بالأدلة، فهي قادرة على الخلوص إلى نتائج بشأن تورّط أطرافٍ ثالثة. حثّ الدول الصديقة على تفعيل اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها والمطالبة بإحالة النزاع إلى محكمة العدل الدولية للفصل في التزامات الدول بمنع الإبادة ومعاقبة مرتكبيها. هذا المسار قائم بالفعل عبر قضية منظورة أمام محكمة العدل الدولية بادرت إليها غامبيا/جنوب أفريقيا. وتجدر الإشارة إلى أنّ الاتفاقية تُلزم الدول بمعاقبة ليس الجناة فحسب، بل أيضًا المتواطئين في الإبادة الجماعية (المادة الثالثة)، وهو مسار لمساءلة الأنظمة المتواطئة بموجب القانون الدولي.الولاية القضائية العالمية
في البلدان التي تتيح ذلك، سندفع باتجاه إصدار مذكّرات توقيف بحق أفراد مثل الساسة والوزراء ورؤساء الدول على جرائم حرب، ولهذا مسوغاتٌ سابقة لدى محاكم في إسبانيا والمملكة المتحدة وغيرها. كما ننظر في رفع دعاوى مدنية ضدّ مسؤولين في دولٍ حليفة بموجب قوانين المسؤولية التقصيرية المدنية، مثل مقاضاة مديرٍ تنفيذيّ لشركةٍ زوّدت أسلحةً محظورة، أو مسؤولٍ أجنبي تآمر على التستّر، فهذه القضايا ترفع منسوب الوعي العام حتى وإنْ نَدُرَت الإدانات.مساءلة الشركات
يمكن ملاحقة شركاتٍ كثيرة أسهمت في الجرائم ضدّ شعبنا قانونيًا. نعمل مع محامين حقوقيين لتقديم شكاوى إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، ورفع الدعاوى حيثما أمكن، والضغط على الدول لفرض عقوباتٍ على غرار ماغنيتسكي على الأفراد والكيانات المتورطة في الفظائع أو في إنكارها.المسؤولية الجنائية الدولية على الدعاية المضلِّلة
رغم أنّ هذا المسار حديث، ستجادل المنصّة بأنّ الدعاية المتعمَّدة التي تهدف إلى التستّر على الفظائع الجماعية أو تبريرها يمكن أن تُعدّ جزءًا من الخطة الإجرامية ذاتها. كما أُدين دعاةُ الدعاية النازية بعد الحرب العالمية الثانية، ينبغي اليوم أن يخشى المُحرّضون ومهندسو التستّر العواقب. وإذا سنحت الفرصة (مثل لائحة اتهام من المحكمة الجنائية الدولية تتضمن تهمة التحريض على الإبادة)، فستكون المنصّة جاهزة للإسهام بإثبات كيف ساهم فاعلون في الإعلام أو جماعات الضغط في الجريمة.
عند تأطير هذه التحركات القانونية كلّها، نستند إلى مبدأٍ قوي: لقد جرى تقنين «لن يتكرر ذلك» في القانون، وهذه القوانين إلى جانبنا. فالإبادة الجماعية والجرائم ضدّ الإنسانية وجرائم الحرب هي الجرائمُ الأسمى في القانون الدولي في عام ٢٠٢٥ وما بعده، وتخضع للولاية القضائية العالمية. لا حصانة لرؤساء الدول أو المسؤولين (يؤكّد ذلك نظام المحكمة الجنائية الدولية)، ولا تقادم. سوف تُشكّل إحالاتُنا بموجب المادة ١٥ إشعاراتٍ رسمية للمحكمة بأنّها إن قصّرت، خاطرت بالتخلّي عن واجبها، كما حذّر بذلك فقهاءُ القانون. والحقّ أنّ أصواتًا داخل منظومة المحكمة تتعرّض لضغطٍ متزايد بسبب التقاعس؛ والمنصّة ستعظّم هذا الضغط بحشد المجتمع المدني العالمي خلف إحالاتكم.
يجدر التنويه بأنّ محكمة العدل الدولية صرّحت في كانون الثاني/يناير ٢٠٢٤ تصريحًا صريحًا بوجود أساسٍ معقول للاعتقاد بوقوع إبادةٍ جماعية، وهو تصريحٌ نادر ومُدان بوضوح. وهذا يمنح المحكمة الجنائية الدولية وزنًا إضافيًا للتحرّك. مهمّتنا أن نضمن ألّا يتمكن المدعي العام كريم خان، ومن يليه، من تجاهل هذه الصرخات. وإذا اقتضى الأمر، سنسعى إلى اجتماعاتٍ مباشرة مع مكتب الادّعاء (OTP) لتسليم الأدلة، وسننسّق مع القبائل الأصلانية الأخرى ومجموعات الشتات والمنظمات الدولية غير الحكومية لإرسال سيلٍ من إحالات المادة ١٥، في استعراضٍ للوحدة والعزم.
بالتوازي مع جهود المحكمة الجنائية الدولية، تحثّ المنصّة أعضاء القبيلة وعائلاتها على صياغة إطارٍ سياسيّ لمتابعة المساءلة عبر جمعية الدول الأطراف للمحكمة الجنائية الدولية وعبر الحكومات الصديقة. نضغط على الدول الداعمة في أمريكا الجنوبية وأفريقيا وآسيا لإثارة قضية فلسطين في منابر المحكمة، والمطالبة بتسريع إجراءات المدعي العام. وإذا تلكّأت المحكمة لأسبابٍ سياسية، نبحث الدفع نحو محكمةٍ دولية خاصة مخصصة، أو دعمَ ممارسة الولاية القضائية العالمية من قِبل محاكم دول بعينها. ونُشير إلى أنّ جنوب أفريقيا وناميبيا أدانتا بقوة إبادة غزة؛ وقد تنفتح أنظمتُهما القضائية على قضايا إذا وطئ مجرمون أو مسؤولون آخرون أراضيهما.
خلاصة القول، إنّ الإطار القانوني السياسي الذي تتبنّاه القبيلة يقوم على السعي الدؤوب للعدالة على كل الجبهات: استخدام إحالات المادة ١٥ لوضع الفاعلين المتواطئين تحت المجهر رسميًا، وتفعيل الاتفاقيات والمحاكم الدولية لتأكيد مطالبنا كأُصلاء بدوٍ كنعانيين، وبناء ائتلافٍ دولي من المحامين والمدافعين عن حقوق الإنسان والدول المؤازرة للمضيّ بهذه القضايا قُدُمًا. سنُذيّل كلّ ادّعاءٍ بدليلٍ وإحالةٍ مرجعية، كما في هذه الوثيقة نفسها، لضمان أعلى معايير الإثبات. هدف منصّة قبيلة أَبِيمِيليْك هو كسرُ حلقة الإفلات من العقاب التي تُبقي السياسات الإباديّة فاعلةً على الأرض. قد يبطؤ القانون، لكن مدى ذراعه بعيد. فلْنجعلْه يطال من ظنّوا أنهم سينجون باغتيال نساء القبيلة وأطفالها وإسكات صوتنا الأصيل.
خاتمة
ظنّوا أن العالم سيشيح بوجهه مرة أخرى. ليس هذه المرة. فيما تُقتل نساؤنا وأطفالنا بدمٍ بارد، ندعو عائلاتنا لتحويل الحزن إلى قوة: لنتنظّم، ونقاتل في المحاكم وفي الساحة العامة، ونرعى أهلنا، ونحاسب المتورّطين.
ينبغي النظر إلى هذه الدعوات إلى الفعل بوصفها جزءًا من مخطّطٍ لبقاء القبيلة وانتصارها، نعلن فيه أننا نرفض أن نكون ضحايا سلبيّين لإرهاب الدولة، ذلك الإرهاب المدعوم والمموَّل والمسلَّح من فاعلين ودولٍ أجانب والفاعل فعليًا في ارتكاب فظائع جماعية بحق عائلاتنا وقبائلنا الأصيلة. معًا سنصنع التاريخ. بالتنظيم الداخلي والانفتاح الخارجي، وبالقتال في ساحات المحاكم وساحات الرأي العام، وبالعناية بأهلنا ومحاسبة الخونة، نستعيد وكالتنا. هذا الإيجاز الاستراتيجي ليس وثيقةً تُركَن على الرفّ؛ إنّه وثيقةٌ حيّة، وخطةٌ للتكيّف والتنفيذ المشترك، ابتداءً من الآن.
بيانٌ عام إلى جميع القبائل الفلسطينية الأصيلة
إلى كلّ فردٍ من قبائل فلسطين الأصيلة يقرأ هذا البيان، دورك محوري. إن كنتَ طالبًا، فشكّلْ مجموعةً في الحرم الجامعي لنشر هذه الحقائق ودفع جامعتك إلى سحب الاستثمارات. وإن كنتَ والدًا أو والدة، فدرّسوا أبناءكم تاريخَنا الحقيقي، تاريخَ قبائل كنعان الحاضرة معنا اليوم، وشاركوهم في فعاليات التضامن. وإن كنتَ مهنيًا، فاستثمرْ شبكتك لتعزيز رسالتنا في مجالك. وإن كنتَ في مخيم لجوء أو تحت الاحتلال، فاعلمْ أنّ صوتك سيصل إلى العالم عبرنا، وافعلْ ما تستطيع محليًا للصمود حتى يأتي الفرج. ونخصّ بالنداء شبابَنا: طاقتُكم وإبداعُكم سيقودان هذه الحركة؛ تملّكوا زمامها، وابتكروا، واستثمروا براعتكم في وسائل التواصل لتجاوز الرقابة.
نختتم برسالةِ وحدةٍ وصلابة
قبيلةُ أَبِيمِيليْك، نجونا من غزاةٍ قدامى، ونجونا من كارثةٍ تلوَ كارثة، ونجونا من الإبادة. والآن، بوحدتنا وعملنا، سنحوّل محنتنا إلى قوّة. دمُ أجدادنا يصرخ من تُراب كنعان طلبًا للعدالة، وسنحقّقها. عيونُ أطفالنا شاخصةٌ إلينا تطلب مستقبلًا كريمًا، وسنؤمّنه لهم.
فليكنْ هذا الإيجاز الاستراتيجي دليلَنا وعهدَنا، سننظّم، وسنطالب، وسنحشد، وسنُنجز العدالة والاعتراف والمستقبلَ الحرّ المستقلّ لقبيلتنا ولكلّ فلسطين.





