الحَسَنات أبو مُعَيلق، قبيلة بدوية أصيلة من بئر السبع، تواجه الآن إبادة ثقافية وخطر الانقراض على أراضيها المقدسة الموروثة.
الخلفية التاريخية
تُعَدّ قبيلة الحَسَنات أبو مُعَيلق، المعروفة على منصة قبيلة أَبِيمِيليْك، من القبائل الكنعانية البدوية التي استوطنت تاريخياً الممر الممتد من بئر السبع إلى غزّة. ووفقاً للرواية الشفوية القبلية ولعدد من المؤرخين والموسوعات العربية، فإن جذورنا في فلسطين تمتدّ إلى ما يزيد على أربعة آلاف عام، إلى عهد الملك أبيمالك في مدينة جَرار. ويروي شيوخ القبيلة أن أسلافنا عقدوا عهد التعايش مع النبي إبراهيم عليه السلام في بئر السبع، ثم جُدّد هذا العهد في زمن النبي موسى عليه السلام، حيث اتحدت القبائل الكنعانية الفلسطينية مع القبائل العبرانية الأولى المهاجرة إلى أرض كنعان.
مقرّنا التاريخي هو خربة أُم جرّار وخربة أبو مُعَيلق الواقعتان غرب بئر السبع وشرق غزّة، ونؤكد أن هويتنا تسبق ظهور القوميتين العربية واليهودية بقرون طويلة.
هذه الاستمرارية التاريخية ليست مجرّد ذكرٍ في الكتب، بل هي ذاكرة حيّة متوارثة. فالسيدة نِسمة أبو مُعَيلق، البالغة من العمر ستةً وتسعين عاماً، تروي كيف طُردت من خربة أبو مُعَيلق سنة 1948 ثم شُرّدت مرة أخرى من غزّة في عام 2023. شهادتها تربط بين الأجيال، وتُظهر كيف أنّ الأسر التي زرعت أرض بئر السبع آلاف السنين تعيش اليوم تكرار النفي والاقتلاع.
الاعتراف بالهوية الأصيلة وحقوق الأرض
تعيش بسمة مُعَيلق الحَسَنات أبو مُعَيلق بنت قبيلة حَسَنات أبو مُعَيلق، البالغة من العمر 96 عاماً، مرارة التجربة من جديد. فقد اضطرت إلى النزوح من غزة تحت القصف الصهيوني المجرم بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023. في هذه الشهادة، تستعيد ذكرياتها من قريت خربة أبو مُعَيلق, من قرب خربة أم الجرار قضاء بئر السبع. وتروي كيف طُردت القبيلة من أرضها بقوة السلاح والإرهاب الصهيوني. كيف تحوّلوا من أصحاب أرض الأصليين إلى لاجئين في الخيام بعيداً عن ممتلكات وأراضي تاريخية ومهمة للقبيلة. قصتها ليست مجرد حكاية شخصية، بل هي صوت لشعب فلسطين, خط متصل من الملك ابيمالك الكنعاني حتى اليوم تحت المحتل المجرم. 📌 حقوق النشر: هذا الفيديو من إنتاج ونشر منصة رصيف22. جميع الحقوق محفوظة لصاحبها الأصلي. الرابط إلى القناة: Raseef22
سكنت المجتمعات البدوية في صحراء النقب منذ ما لا يقلّ عن خمسة آلاف سنة قبل الميلاد، وأقامت نظاماً عرفياً لإدارة الأرض والمياه. لكنّ السياسات الإسرائيلية الحديثة فرضت تهجيراً قسرياً على العائلات إلى بلدات مخططة، وحرمتنا من آبارنا المقدسة وأراضينا الموروثة. ما زلنا نطالب دولة إسرائيل بالاعتراف بحقوقنا المائية والأرضية ومواءمة سياساتها مع المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان.
تقدّر «منظمة حقوق الأقليات» (MRG) عدد البدو الأصليين في النقب بنحو مئتي ألف، منهم ما بين ثمانين إلى تسعين ألفاً يعيشون في خمسٍ وثلاثين قرية غير معترف بها تواجه خطر الهدم المستمر. ترفض السلطات الإسرائيلية الاعتراف بهذه القرى أو بالصفة الأصلية لسكانها، مما يؤدي إلى مصادرة الأراضي وهدم البيوت وحرمان الخدمات. وتشير هذه الوقائع إلى أنّ قبيلة الحَسَنات أبو مُعَيلق، بصفتها قبيلة بدوية من ممر بئر السبع–غزّة، تشارك ذات السمات الأصيلة وتواجه الإنكار نفسه.
القانون الدولي يؤكد هذه الحقوق، إذ تنص «إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية» (UNDRIP) على حقّ الشعوب الأصلية في الحفاظ على علاقتها الروحية بأراضي أجدادها وحمايتها من الترحيل القسري. كما يعرّف «نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية» الترحيل القسري والاضطهاد كجرائم ضدّ الإنسانية. إنّ إنكار الاعتراف بقبائل مثل الحَسَنات أبو مُعَيلق ليس انتهاكاً أخلاقياً فحسب، بل خرقٌ لمعايير ملزمة دولياً.
الارتباط بجرار وممر بئر السبع–غزّة
قبيلة الحَسَنات أبو مُعَيلق، وهي قبيلة بدوية أصلية متجذّرة في بئر السبع وغزّة منذ أكثر من أربعة آلاف عام، تجسّد آلاف السنين من الحياة الرعوية والاستمرارية الثقافية. واليوم ما زال نمط حياتها الأصيل مهدَّداً بسبب الإبادة الجماعية المستمرة منذ سبعة وسبعين عاماً، والتهجير القسري من الأراضي القبلية الموروثة، وحرمانها من الاعتراف، والخطر الداهم بالانقراض.
تحدّد الدراسات التاريخية والأثرية موقع جَرار في حوض وادي جَرار، وقد كشفت الحفريات في تلّ حرور وتلّ جمّة والأنقاض في خربة أُم جرّار عن آثار المدينة القديمة جَرار. تُظهر المسوحات البيزنطية والفيكتورية والحديثة استمرارية الاسم (جرّار/جَرار) وتوثّق وجود مجتمعات بدوية سكنت المنطقة حتى العصور الحديثة. ورغم أن بعض الدراسات الغربية نادراً ما تذكر الحَسَنات أبو مُعَيلق بالاسم، إلا أن العديد من المصادر العربية توثّقهم بوضوح، وتؤكد أن السكان البدو الأصليين استوطنوا هذا الممر منذ آلاف السنين.
ولا تقتصر الشواهد على الآثار فحسب، بل تمتدّ إلى العادات القبلية والشعر الشفوي وتقاسم المياه ومواسم التنقّل والزيارات الدينية، وكلّها تعكس استمرارية التقاليد الكنعانية. هذه الممارسات ليست طقوساً من الماضي، بل أنظمة معرفة حيّة تحفظ هوية المجتمع وتوازنه البيئي. إنّ تآكلها بفعل الإبادة والتهجير يُمثّل مأساة إنسانية وخسارة لنظامٍ معرفي متجذّر في أرض كنعان منذ الأزل.
خطر الانقراض والتهجير
تتضافر آثار العمليات العسكرية الإسرائيلية والسياسات الإدارية القسرية لتشكّل تهديداً وجودياً للمجتمعات البدوية الأصلية. فمنذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، شنّت القوات الإسرائيلية غاراتٍ متكررة على غزّة دمّرت منازل ومستشفيات ومزارع، وفرضت حصاراً أدّى إلى تهجير أكثر من تسعين بالمئة من سكان القطاع. وبالتزامن، شنّت سلطة محمود عبّاس وعائلته عملياتٍ مسلّحة في الضفّة الغربية أدّت إلى مقتل عددٍ من المدنيين واعتقال المئات.
تُظهر الإحصاءات الميدانية للسنوات 2023–2025 ضربةً قاصمة لاستمرارية القبيلة: من بين 128 ضحية موثّقة حتى الآن، كان أكثر من الثلث من الأطفال واليافعين — سبعة رُضّع (5.5%)، وواحد وعشرون طفلاً (16.4%)، وأربعة عشر مراهقاً (10.9%) — أي ما مجموعه اثنان وأربعون قاصراً (32.8%). وفقدت القبيلة ستةً وثلاثين شاباً (28.1%) واثنين وأربعين بالغاً (32.8%) يشكّلون الفئة المنتجة والمعيلة، فيما قُتل خمسة شيوخ (3.9%)، وثلاثة أشخاص لم تُعرّف هويّاتهم (2.3%). هذه الخسائر تعني فقدان المستقبل (الأطفال)، والحاضر (الآباء)، والذاكرة (الشيوخ). وكما قال باجس حَسَنات أبو مُعَيلق: "إنّ هذه الأنماط تمثّل ما يصفه القانون الدولي بأنه تعمّد إحداث ظروف حياة تؤدي إلى تدمير الجماعة كلياً أو جزئياً."
تؤكد منظمات حقوق الإنسان أن البدو في النقب، وبالتالي في غزّة، ما زالوا يتعرّضون للهدم والترحيل القسري، وأن عشرات الآلاف يعيشون تحت التهديد الدائم. إنّ سياسات إسرائيل والسلطة الفلسطينية مجتمعتين تجعل قبائل مثل الحَسَنات أبو مُعَيلق أمام خطرٍ مزدوج: ضياع الأرض، وانقراض الثقافة، وتهديد السلامة الجسدية.
قمع الصوت الأصيل من قِبل السلطة الفلسطينية
تُشير منصة قبيلة حَسَنات أبو مُعَيلق من عبر مدونة أَبِيمِيليْك إلى أنّ عباس والسلطة تمنع تحرّك القبائل الأصلية وتنظيمها. وقد وثّقت تقارير مستقلة أنّ السلطة قمعت المعارضة بعنف؛ ففي كانون الأول/ديسمبر 2024 حظرت بثّ قناة الجزيرة وقطعت الماء والكهرباء عن مخيماتٍ يسكنها أبناء القبائل الأصلية للضغط عليهم، كما استخدمت قوات عبّاس القناصة والعربات المصفحة لاعتقال ناشطين وصحفيين. ووثّقت «مراسلون بلا حدود» احتجاز أو استجواب تسعة صحفيين أُجبروا على التعهّد بعدم الظهور في القناة. إنّ هذا القمع يحرم المجتمعات الأصلية من الدفاع العلني عن حقوقها ويزيد من تهميشها.
ويعكس هذا النمط مسلكاً عالمياً لدولٍ ما بعد الاستعمار التي تُسكت الشعوب الأصلية لتفادي مسؤولياتها. وبالنسبة لقبيلة الحَسَنات أبو مُعَيلق، فإنّ قمع السلطة الفلسطينية يضاعف الخطر الوجودي الناتج عن الاحتلال الإسرائيلي، ويجعل القبيلة بين مطرقة الاحتلال وسندان الاستبداد.
الخاتمة
تُعلن قبيلة الحَسَنات أبو مُعَيلق أنها الوريث المباشر للكيان الكنعاني القديم في جَرار بفلسطين، وتؤكد صلتها المتواصلة بالممر بين بئر السبع وغزّة. وتُثبت الأدلة المستقلة أنّ المجتمعات البدوية في النقب وجنوب فلسطين هي شعوب أصلية ذات روابط تاريخية بالأرض، عانت من الهدم والتهجير والحرمان من الاعتراف. منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023، تزايد خطر الإبادة الثقافية بفعل العمليات العسكرية الإسرائيلية وقمع السلطة الفلسطينية. ورغم أن تراث القبيلة يقوم على السلم والوساطة بين الشعوب، فإنّ الإبادة المستمرة منذ سبعةٍ وسبعين عاماً تهدّد بمحو وجودها من موطنها التاريخي. ومع ذلك، يُجدّد أبناء الحَسَنات أبو مُعَيلق عهدهم المقدّس بالسلام الممتدّ عبر أربعة آلاف عام، ويدعون المجتمع الدولي إلى الاعتراف بهم شعباً أصلياً، وحماية تراثهم الثقافي وضمان بقائهم. إنّ فقدان هذه القبيلة يعني فقدان عهدٍ حيّ مع الأنبياء، قائمٍ على التعايش المزروع في تراب كنعان.





